الجمعة، 7 أكتوبر 2011

رمضان في رحاب الحرمين الشريفين #4

 
من المألوف جدا ان يقوم زوار بيت الله باقتناء هدايا واشياء اخرى من بلاد الحرمين الشريفين ليحملوها لاهلهم واحبابهم عند رجوعهم للوطن او حتى لانفسهم كتذكار من اطهر بقاع الارض ، وكغيرنا من زوار البيت لم نتخلف عن هذه العادة اللطيفة ؛ زرنا ما شاء الله ان نزور من محلات تجارية في المدينة المنورة اولا,  حيث الباعة من مختلف الجنسيات الآسيوية ، بعضهم من الجزيرة العربية والبعض الآخر من شرق آسيا ، لكنهم على حد سواء كانوا كلهم ناطقين باللغة العربية ، التي بها يحاولون استقطاب الزبائن  (والزبونات على وجه الخصوص) لمحلاتهم ، فاينما حللت كنت اسمع من يناديني
 : " أهلا وسهلا يا حاجية ! "

مما لفت انتباهي أن الباعة ناطقون بلغات عدة ومختلفة ، منها الانجليزية والفرنسية والاردو والباكستانية والاندونيسية والتركية ، لكن ومع درايتهم بكل تلك الالسنة فنادرا ما افلحوا في التعرف على جنسيتي ؛ اغلبهم كانوا يعتقدونني شامية وبعضهم يتخيلني مصرية وآخر قال اني ابدو فلسطينية بل هناك من ظن اني تركية ! ادركت بذلك اني ربما اختلف عن الصورة النمطية التي ترتبط بالجنسية المغربية عند اهل المشرق...


ولعل اكثر ما ابهرني فيما يخص المحلات التجارية ما رأيته من أمانة وصدق زوار الحرمين ، واذكر مثالا اني يوما وقفت امام احد المحلات التي تبيع المواد الغذائية ، وقفت انتظر اختي التي دخلت اليه لتبتاع منه ما نفطر به ، وهو عبارة عن محل صغير جدا وضيق مقارنة مع عدد الوافدين اليه حيث يقع في منطقة من حوله توجد الكثير من الفنادق الكبرى ، ولذلك فقد كان صاحب المحل جالسا خارج المحل منهمكا باستلام المال من المشترين ولم يكن بامكانه النظر للمحل للمراقبة ، ومع ذلك فكل المشترين كانوا ينتظرون من حوله لأداء ثمن ما
اختاروه من داخل المحل دون ان تسول لأحد نفسه ان يمضي دون دفع ثمن ما أخذه ...
 
وعلى غرار الازدحام الشديد الذي كانت تعج به المحلات وخصوصا منها المحلات الرخيصة الثمن ، فقد كان الزحام داخل المسجد النبوي يشتد يوما بعد يوم ، ولو ان هناك اوقاتا يكون فيها المسجد اكثر اكتضاضا من غيرها واقصد الصلوات المسائية وصلاة الفجر الساحرة ، اما في وضح النهار فالحرارة الشديدة تقنع الكثيرين بالبقاء داخل فنادقهم المبردة ولا يمشي في ساحات المسجد غير فئة من المجاهدين الذين لا يرهبون الشمس ولهيبها ، وفئة اخرى ممن تعشق مسجد رسول الله تفضل الاعتكاف فيه اليوم والليلة، وداخل هذا الجو الرباني العظيم قد يستغرب الانسان كيف لملايين البشر التي لا تستطيع حتى ان تتواصل بينها ، كيف يمكن ان لا تقع صدامات ونزاعات بسبب الزحام وقلة الاماكن الخالية ؟ كيف ذلك والانسان أناني ُُُخُلق ظلوما جهولا ؟ الحقيقة ان الصدامات كانت تحصل احيانا ولكن سرعان ما تنطفئ وتعود الأمور لنصابها ، بأمر من الرحمن كانت القلوب على بعضها ، وعلى الرغم من النظرات السيئة التي قد تتلقاها من فلان وربما يدفعك فلان ليسبقك وقد تقول لك مصرية من الامام : " يا جماعة ما تزُؤُّوش" ومن الخلف تناديك سورية :" روقي شوية روقي! " وانت لم تفعلي شيئا سوى ان الاندفاع يمشي بك يمينا وشمالا ، يحملك وانت بضع كيلوغرامات لم تعد تستطيع مقاومة امواج البشر، تنزعجين احيانا وقد تغضبين فعلا ، لكن ودون ان تحسي ينطفئ نار غضبك بابتسامة الطفل المصري "معز" الذي وجدت مكانا بقرب امه اللطيفة جدا ، ينظر اليك "معز" فيبتسم ويقدم اليك  تلقائيا علبة العنب التي يأكل منها ،يعطيك قبلة تُنسِيك تماما انك جالسة في اقل من نصف متر مربع!

وفي سياق آخر اذكر اجمل اللحظات في رحاب طيبة والتي لا تنسى ابدا , فبعد الاستياء من الزيارة الاولى للروضة النبوية الشريفة ، كُتب لي ان اجرب حظي مرة ثانية عساها تكون خيرا من سابقتها ، توجهت للمكان نفسه بعزيمة وهمة افضل ، وجلست انتظر مرة اخرى امام الباب نفسه ، الذي فاجأني ان فُتح لي ولاخواتي المسلمات قبل ان تفتح الابواب الاخرى ، دخلت بهدوء وانا لا اصدق نفسي اني فعلا دخلت ، تقدمت نحو الروضة وانا مقتنعة ان العدد الكبير الذي دخل من النساء كله امامي وانا التي امشي ببطء ، لم اكن اتوقع ان اجد مكانا اصلي فيه داخل الروضة ، لكني حين ابصرت امامي وشهدت لون الزربية الاخضر ، كدت اصرخ من شدة فرحتي! وسط دموع دافئة تسيل بمجرد ان يحس المرء بوجوده بذلك المكان ، تبكي وتبتسم ، تبتهج ويهيج صدرك بكل صنف من المشاعر! تسجد وتتمنى ان تبقى في ذلك السجود ما بقي من حياتك ، تتشهد وانت تقول للحبيب وهو امامك انه ادى الامانة وبلغ الرسالة، ترفع يديك بالدعاء وعيناك ملتصقتان بذلك المشهد القوي...



يُتبع

هناك تعليق واحد: