الخميس، 1 نوفمبر 2012

مع القرآن


أتذكر أني في مرحلة الطفولة كنت أجد صعوبة كبيرة في إدراك أن القرآن الكريم كتاب الله المُنزل على عبده المصطفى محمد بن عبد الله آخر المرسلين (عليه الصلاة والسلام) هو معجزة إلهية عظيمة، كان المعلم يحكي لنا عن قصص ذكرت في القرآن لأنبياء سابقين وكان يستفيض في ذكر تلك القصص بشكل بسيط نفهمه فحكى لنا عن موسى وعصاه التي تصير حية فترهب أعين الناس وتلقف ما جاء به سحرة فرعون فيسجد السحرة، وتحدث كثيرا عن مريم العذراء التي لم يلمسها أحد والتي أنجبت بأمرٍ من الله عيسى عليه السلام الذي كان يتكلم في المهد والذي كان يشفي الأبرص والأكمه وينبأ الناس بما يذخرون في بيوتهم ويحيي الموتى بإذن الله وغيرهم من الأنبياء والرسل الذين كانت لهم معجزاتهم المذهلة، ولكن معجزة الإسلام لم تكن آنذاك بنظري مذهلة مقارنة بما كان قبلها، لم أكن أجد تفسيراً لذلك الإحساس الغريب الذي ينتابني كأنه عدم اقتناع ببساطة المعجزة التي ليست سوى كتاباً فيه قصص ومواعظ و أوامر ونواهي ووعيد ونذير وبشرى للمؤمنين، لم يكن بالنسبة لي ذلك الكتاب مذهلا حد الدهشة فليس شيئاً غير اعتيادي خارج عن المألوف...هكذا كنت للأسف لا أستشعر الإعجاز القرآني، كنت أعتقد أن المعجز لابد أن يكون خارقا للعادة بشكل مرئي لا ينكره آدمي ولا مخلوق، لم ألتمس عمق المعنى ولم أدرك ماهية الإعجاز ولا دوره.
فمضى الزمن وصرتُ أتقدم في دروس اللغة العربية وبلغت أن فتحت باباً اسمه البلاغة، ذلك الباب الذي يُعتبر بالنسبة لي من أهم الأبواب في كل اللغات، فمن الضروري طبعا أن تعرف القراءة والكتابة وتفهم معنى المفردات ويمكن
ك حتى أن تتقن إعراب الكلمات فتصير قادراً على تفسير سبب ورود كلمة في مكان ما ودورها في سياق الكلام، لكن أن تدخل في مجال البلاعة فذلك إتقان شامل لكل ما ذكر آنفاً، أي أنك تستطيع وبقدر من الحروف المختصرة أن تصنع فكرة بسيطة أو معقدة بصيغة جميلة أنيقة ومختصرة، فتستعمل في ذلك كل أدوات اللغة الممنوحة سواء الإعرابية أو الإصطلاحية مضيفا لها المهارة الشخصية لتبدع بكل لباقة وذكاء.