الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

رمضان في رحاب الحرمين الشريفين #3

" تفتيـــــــــش ! "
هكذا كانت تصرخ الاخوات المسؤولات عن مراقبة ابواب الدخول لمسجد رسول الله ، تمد يدها الى حقيبتي اليدوية لتفتشها بالكامل ثم من كثرة ريبتها من ابتسماتي العريضة تحاول تفتيشي ايضا دون جدوى ، اعترف اني اول مرة اصابتني الدهشة من مثل هذه التصرفات ، خصوصا انها لم تكن مرفوقة برفق او حنية في التعامل ، ثم ان الثوب الاسود الذي يغطي وجوههن بالكامل كان كالجدار العازل بيني وبينهن ، لا يسمح لي بادراك ابتسامة او حتى نظرة من عيونهن ، كن ينظرن الي كما انا بينما اقف انا كالاعمى انتظر ان تنطقن بكلمة لافهم قصدهن ، لست ممن سيجعلني مثل هذا الموقف اقول :"يجب منع ذلك الستار!" فبغض النظر عن ما يقوله الشرع في ذلك او حتى ما تفرضه التقاليد في ذلك البلد ، لا اسمح لنفسي ان اقرر مكان شخص آخر مايحق له ان يلبسه ام لا  ولكن لابد من ان اشير الى ان ابواب الدخول للرجال والنساء متفرقة وليس هناك مجال لان يدخل رجل من تلك الابواب ولا حتى ان يمر من امامها الا من بعيد بحيث يوجد سور يحيط بساحة النساء فيه باب آخر ، ولذلك فاني ارى انه لا حرج في ان ينزعن ذلك الستار حتى ندرك نحن النساء مع من نتكلم وما المطلوب منا ! اعتقد ان ذلك من الاحسان في المعاملة
تصوروا ان الاوروبية ان مددت اليها يدك تسلم عليها ، وهي ترتدي قفازتين ، تنزعهما قبل ان تمد يدها اليك (...) وكذلك تفعل بالقبعة او اي شيء قد يعيق التحية ، احتراما منها لك ، فأليست المسلمة اجدر ان تفعل ذلك مع اخواتها المسلمات ؟ هو سؤال اطرحه ولكم واسع النظر.
ادرك حقا ان ملايين البشر الذين يزورون المسجد النبوي ليسوا ملائكة يمشون على وجه الارض وان النظام ليس قانونا تسير به حياتهم ولكن ذلك كله لا يستدعي ان يكون الصراخ وسيلة التواصل الوحيدة ! مازالت تلك الجمل التي سمعتها عشرات المرات تتكرر على مسمعي "اتوقفي يا حاجية ,ما في مكان !" ، " ما في مجال ، صلي مكانك يا حاجية!" اعتقدت في الاول انها الحقيقة وان المسجد فعلا ممتلئ عن آخره ، لكني ادركت فيما بعد انه في الحقيقة انذار روتيني يعلن بعد كل آذان ولو ان هناك بعض الاماكن الفارغة في الداخل ، في الحقيقة لا يمكن لومهن على ذلك فالوقاية خير من العلاج ولكن يجب الاشارة الى ان الساحة ايضا مكتضة وهي تكتض بوثيرة اسرع والناس منهم من لا يطيق الحرارة الخارجية فكيف نلوم هؤلاء ايضا ؟ هي معادلة صعبة اعتقد ان لها حلولا او شوزملارا على قولة احمد الشقيري ، واول ما اتمنى ان يتم اصلاحه : هو المساواة بين النساء والرجال في مسجد ارفق رجل  بالنساء عرفته الارض عبر الازمان! فقد لا يكذبني احد ان قلت ان للنساء حظا ضئيـــــــلا جدا مما وفر للرجال في ارض المملكة السعودية على العموم ، ربما اخذا بالقاعدة التي تقول ان النساء افضل لهن الصلاة في بيوتهن ، ولكن هل تطبق هذه القاعدة على مسجدين يأتي اليهما الناس من آخر الدنيا ؟ لقد كان ابي يستغرب حين اقول له اني لم اجد مكانا داخل المسجد وصليت في الساحة ، اذ يخبرني هو انه صلى تقريبا وراء الامام...على كل حال هذا موضوع يطول فيه النقاش ولا ادعي اني املك الحلول لكني انقل ما رأيت ولاحظت على امل ان يتغير شيء باذن الله.
 وفي سياق آخر غير بعيد جدا ، لابد من الحديث عن فقرة من اعظم الفقرات بخصوص زيارة المسجد النبوي ، الا وهي زيارة الروضة الشريفة ، اي المكان الذي دفن فيه رسولنا الحبيب المصطفى وبجانبيه رفيق دربه وثاني اثنين سيدنا ابو بكر الصديق وايضا  سيدنا الفاروق وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب ، في ذلك المكان بالذات الذي قال عنه الرسول صلى عليه الله وسلم تسليما كثيرا :( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي).
حاليا تم تمييز ذلك المكان عن باقي المواضع في المسجد بأن جُعلت الزرابي المفروشة في ذلك الموقع باللون الاخضر وباقي الزرابي حمراء اللون، والروضة تظهر من خارج المسجد بحيث انها تعلوها تلك القبة الخضراء التي تميز المسجد النبوي عن غيره ، وهي تقع في قاعة الصلاة الرجالية ، يعني ان لهم ان يصلوا اليها في كل وقت لو استطاعوا الا في اوقات معينة يتم تخصيصها للنساء وهي بعد صلاة الفجر وصلاة العشاء ، وقد اكرمني الله ان زرتها خلال مكوثي بالمدينة مرتين والحمد لله ، الاولى كانت تقريبا كارثية ؛ بحيث تعبت اولا في البحث عن الباب الذي منه يدخل للوصول لمكان الانتظار ، فقد وجهوني لابواب مختلفة كل مرة ثم وبعد ان وجدت اخيرا باب الدخول وصلت لقاعة كبيرة مليئة بالنساء ، وجهتني احدى المسؤولات للجهة المخصصة للمصريات فابتسمت وتقدمت نحو جهة المغرب العربي ، اعتقادا مني ان هناك نظاما حقيقيا حسب الجنسيات ، فاذا بي اتفاجئ بتواجدي بين مصريات وعراقيات وفلسطينات وايرانيات...كانت الضوضاء داخل المكان قوية جدا ، فاضافة للعدد الهائل من النساء اللواتي ينتظرن كلهن نفس الشيء : ان يسمح لهن الدخول لزيارة الروضة ، ينضاف صوت المرشدات اللواتي تحمل كل واحدة منهن لائحة عليها مكتوب "المغرب العربي" و "مصر" وغيرها ، بعد ساعة من الانتظار وقوفا ، تطور الوضع بحيث ان المرشدات بدأن يصرخن من جديد عبر مكبرات الصوت ليسمع صوتهن وهن يشرحن آداب وفضل زيارة الروضة الشريفة ، استمر الحال كذلك ساعتين اضافيتين ونحن لازلنا واقفين امام احد الابواب التي من المفروض ان تفتح مع اننا لا نعلم متى ستفتح...انتظرنا هناك حتى بدأت اقدامنا تشتكي من ألم الوقوف ، لكننا كنا مصرين ان لا ننصرف الا بعد ان نسلم على رسول الله، واخيرا وبعد ثلاث ساعات من الانتظار فتح الباب...الآخر!
! اي الذي لم نكن واقفين امامه فدخل وفد عظيم منه وظللنا ننتظر ان يحين دورنا ، كان الموقف شديدا للغاية فقد ثارت اعصاب الكثيرات من طول الانتظار بدون معلومات ولا تنظيم بالمعنى الحقيقي للكلمة ، حتى اني رأيت احداهن تضرب بشدة على الباب متوسلة ان يفتح ! واخرى استسلمت للبكاء وهي تعلن انها ستنطلق ذاك المساء لمكة المكرمة ورجاءها فقط ان تزور الروضة قبل رحيلها... فجأة فتح بابنا فاندفع الكل بشكل رهيب ! اغلب النساء يجرين بسرعة ، منهن من سقطت ومنهن من انصدمت من خرافية المشهد مثلي فاكتفيت بامساك يد اختي الصغرى والمشي بهدوء ثم الهرولة اخيرا بعد ان ادركت اني فعلا دخلت ! اضحكني شيخ كان واقفا على كرسي قبالة الباب يشير للنساء بيديه يقصد المشي بهدوء ...اعتقد اننا ارعبناه شيئا ما ....
بعد اجتيازنا الحاجز الاول ، بدأت ضربات قلبي تنبض بسرعة متناهية ، استمرينا في المشي داخل قاعات المسجد الشاسعة نحو الروضة ، استوقفتني لحظة لذيذة المذاق ، انطلقت تلقائيا صلوات على رسول الله بصوت عال ابتدأتها مجموعة من النساء الايرانيات لاقت تجاوبا من طرف باقي النساء ، فصرنا نمشي ونحن ننادي عاليا :"صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه" والدمعة ترافق كل نداء ، واصلنا تقدمنا الى
ان اقتربنا من الروضة حيث استوقفنا الزحام ، اضطررنا لان نتوقف لان النساء امامنا يصلين ويدعين داخل الروضة  ، لكن من وراءنا استمرت الجموع من النساء تفد مما ادى لاندفاع شديد ، صارت اجسادنا ملتصقة مع بعضها البعض ، اشتد الموقف عند اقترابنا من الروضة ، وحتى بعد الوصول اليها لم يكن ممكنا ان نصلي هناك فامامنا ومن ورائنا وحتى من جوانبنا اقفلت علينا السبل ، فاكتفينا بالسلام على رسول الله وتبليغه سلام من اوصانا بذلك ، والدعاء قدر المستطاع ، الى ان سار بنا الاندفاع تلقائيا خارج الروضة...

يُـــــــــتبــــــــع

هناك تعليق واحد:

  1. machaallah, au début, je n'ai pas beaucoup apprécié toutes les critiques mais le style de la fin m'a beaucoup plu, surtout que le plus important aprè s tout là bas, c'est assalam 3ala rassoulillah sws et de savoir qu'il est enteré là et qu'il était là avant, entrain de marcher et vivre....

    ردحذف