الخميس، 8 مايو 2014

كيف نبتسم؟


أخاف أخاف أن لا يبقى هناك سبب للبسمة يا صغيرتي، قد مضى من العمر الكثير وقد كنا نعيش كأننا نسينا أو كنا نتناسى، لم يكسر أحد حاجز الصمت من قبل وكان الكل يعلم أن هناك شيئاً خاطئاً في الوضع بل هي أشياء كثيرة تعايشنا معها ولم نفكر يوماً أن نعارض أو نقول عاليا ما تكبته أنفاسنا.
أحيانا اعتقدت أننا فعلا صرنا متحدين نشبه بعضنا في كل شيء، نتحدث بنفس اللسان ونأكل من ذات الطعام، ونجابه نفس المشكلات، أفراحنا واحدة، كنيسة ومسجد وتاريخ يجمعنا تحت ظله، حتى المذاهب لم نكن نعرف لها وجوداً في واقعنا، فقط نشاهدها في المسلسلات ونسمع عنها في تلك النقاشات الحامية التي تبثها برامج السياسة التعيسة، كان كل شيء كأنه عادي...تقريبا. 
وكلما زاد الوعي، ظهرت تلك الحقائق وبدا كل شيء واضحاً، نحن شعب متعدد الأعراق والأجناس والأديان والمذاهب، ولا ندري حقا ما الذي يجمعنا، أهو الوطن؟
أي وطن ؟!
كيف نسميه ، أي صورة نعطيه، أي لون نهديه؟
ثم نرجع فنسأل: ما نحن؟ 
أي شيء يميزنا ؟ كيف نعرف بأنفسنا؟ 
وهناك...بدأت الحرب! 
وعلمنا أننا إن لم نسرع بإدراك الجواب فهناك من سيتفرغ لذلك ويخبرنا كيف يرانا، وسوف نضطر لنختار أي الأطراف تشبهنا وقد لا يمنحوننا فرصة الإختيار، من الممكن جدا أن يمسحونا من الوجود...كإجابة قاسية على السؤال : ما نحن؟ 
صار العالم يتحدث عن الكرامة والحرية ومقامات فلسفية لا يفقهها السلاح والدم، يعتقدون أن من يفتح عينيه على عالم لا يعرف كيف يسميه ولا موقعه منه، سيتلقى شعارات الحرية ببساطة وهو محكوم عليه منذ أزمان أن لا يفكر ولا يقع في مستنقعات الفلسلفة والفكر، يريدون أن ننسلخ من عصمة الجلاد وهو يحمل فوق أعناقنا سيفه.
لم يعد هناك سبب حقيقي لنبتسم يا صغيرتي، فنحن كنا نبتسم فقط لذواتنا حين نلتقي بالحبيب فنعشق وتغيبنا أبيات الشعر في غمرات الهوى، وكنا نبتسم لمّا بخجل نخفي أسرار حبنا ومغامرات الجنون كأنها ملفات مخابراتية أميركية لا يجوز أن تعبث بها أياد معلومة، وكنا نبتسم لما نحصل على علامات ممتازة بالمدرسة، وكنا نبتسم لمّا تمطر على بيتنا القديم فنلعب غير آبهين ونتجارى تحت زخات المطر، وكنا نبتسم لمّا نقبل أيادي أمهاتنا وهن يدعين لنا كل صباح ومساء، وكنا نبتسم لمّا تنجب إحدى نسائنا ونصبح أكثر، وكنا نبتسم لمّا يتخرج أحد أبنائنا ونفرح لجهده وتعبه، وكنا نبتسم لمّا نلتقي في العيد ونأكل الحلوى ونتبادل الهدايا، وكنا نبتسم لأننا مجتمعون في مكان واحد وقلوبنا على بعضها..
ثم اختفى كل ذلك ذات حرب،
لا أم نجد ريحها ونقبل يديها 
ولا حبيب نحتمي بأحضانه وندفن عنده الهلع
ولا صديق نختلي به ونقاسمه قهوة الصباح
ولا صغير نذوب في براءة عينيه ونجيب على أسئلته الوجودية الإستثنائية
ولا جار نعيش معه الحياة كما كانت
ولا مدرسة ولا جامع، ولا كنيسة ولا بيتنا القديم ، وحتى المطر صار يأتينا قذائف تؤذينا ولم نعد نلعب ولا نبتسم.
الأم والصغار ذبحوهم والحبيب اعتقلوه والجار انقلب ضدنا والمدينة غرقت في الدم والدمار، وشجرة الزيتون وحدها ظلت هناك تقاوم وحدها، أيقتلعونها يا ترى؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق