الأربعاء، 23 أبريل 2014

أرواح منكسرة

الفصل الأول

إذا نظرت إليهم شدتك ابتسامتهم العريضة وبشاشة وجوههم المتعبة، وإذا تحدثت معهم وجدت في كلامهم دفء محبة لا منتهية كأنهم لا يعرفون سوى الحب لينشروه من حولهم، وإذا أكلت معهم شعرت أنك ملك في رحاب جنة يصنعونها لك بأيديهم دون مقابل، مزاحهم اللطيف يأسرك وعيونهم لمّا تحط عليك تكاد تنصهر من الخجل، إنهم رائعون...رائعون ولكن.
وراء كل ابتسامة مشاكل بحجم السماء، خلافات جوهرية حول مفاهيم الحياة ورؤى المستقبل، ونظرة للدين كجزء مكون للشخصية عند بعضهم تقابلها نظرة عند البعض الآخر تعتبر الدين مجرد موروث ثقافي 
البعض الأول يعد تلك البلاد كبلد غربة ولجوء والبعض الآخر يراها بلد الأحلام والأمنيات...
الحرب وما جاءت به، فرصة هروب لبعضهم ومرحلة بلاء عظيم للبعض الآخر، دمار وقتل ، موت وخطر دائم، غياب الأمان وإحساس بالغربة القهرية الأبدية اللاختيارية 
تناقضات راسخة تسمم الحياة وتنغص طعم الوجود، اكتشفت من خلالها كيف أن الواحد منا مطالب جدا وبقوة بالتفكر في معنى حياته واختياراته سواء كانت اعتقادية أو متعلقة بنمط وكيفية الحياة التي سيعيشها!

في أسرتي، الدين محرك أساس للحياة، هو المنبع الأصل الذي منه تعلمنا الصحيح والخطأ في المعاملات و في الأخلاق وفي الإيمان، وبالموازاة فهمنا بعد طول عناء مُربينا (جزاهم الله الجنة خالدين فيها أبدا) أن هناك فصولا من العبادات المفروضة علينا، الغاية منها دوام العناية بمصباح الإيمان كي لا ينطفئ، كالمطر يسقي الشجر.
قد فهمنا أن الله لا يحتاج لصلاتنا ولا صيامنا ولا دعواتنا، بل نحن الفقراء لكل ذلك، وإدراك ذلك المعنى خطوة أساسية للتمكن من بلوغ مرحلة الإقتناع الذاتي وحمل الدين لا كعبئ ثقافي نرثه من أجيال سبقونا، بل كعنوان نعرف به أنفسنا قبل الحديث عن الجنسيات والأعراق والأنساب، لابد أن يكون الدين جزءًا من الكيان حتى نحبه بصدق ونفخر به بل ونفرح لأننا ممن هدينا إليه.
إن من الطبيعي جدا أن يصير الواحد منا يكره الدين ويفر منه فرار الهرة من الماء، حين لا يعي منه سوى المفروض والممنوع! الإنسان بطبعه لا يحب أن يكون مرغما على فعل الأشياء دون أن يستوعب ما يكسب من وراء تلك الأفعال، وأتحدث عن الكسب المباشر لا عن المدى البعيد ( الجنة والنار)، فلو ظللنا ندعو الناس لهذا الدين بالجنة والنار فقط لما آمن لنا أحد! الناس تحتاج لما يعينها على عيش الدنيا أولا، أوليست الأولى مقدمة على الآخرة ترتيبا؟! 
فلم نمسحها كليا من الخطاب الدعوي ونعتبرها مجرد طريق بالمعنى المختصر جدا...