الاثنين، 9 يوليو 2012

ولِي في كل موطن حبيب

أغار من كل عصفور يحلق في السماء حرا طليقا يحط على صوامع وكنائسٍ ويمشي بخفة في ساحات وميادين وطنٍ مزقته الحدود وجعلت بين كل شبر وشبر منه احجاراً وحاجزاً مصنوعاً من بشر مهمَّته الحراسة على انزواء الوطن...
أحقاً ما عاد يجمعنا غير موسم من الغناء والرقص على اشلاءٍ ندعوها ثقافتنا؟
أم ان الاعلام فعلا قد ادرك ان المسلسلات والمباريات هي سر وحدتنا فغمرنا بكرمه وقال اخسؤوا هذا رمضانكم...

"شكراً هذا لطف منكم!"
هكذا قالت احدى المتظاهرات السوريات اثناء مسيرة باريس، فهل نستحق الشكر ان ثار فينا عرق الأخوة والانسانية؟ لا والله، واجب ولكنَّنا وطَّنَّا العرقية والانتماءات الجغرافية في صميم قلوبنا حتى جعلناها أول منظار نبصر به الكون من حولنا: فأنا من أنا ومن أين أصلي والى من انتمي، ثم باقي البشر...
ونحن أصلا جُعِلنا قبائل وشعوبا لمَ؟ لِ "نتعارف"!
أي ان المفروض ان نتجاوز انتماءاتنا ونندمج مع الآخرين ونعرف البعض ببعضه الآخر ولا نقضي كل حياتنا في تمجيد قدرٍ أراد ان يضمنا لهذي القبيلة او تلك، فكما انك لا يمكن ان تفتخر بشكلك الذي لم تصنعه لا يعقل ان تفتخر بانك وُجدت ضمن شعب وهو ذات الخالق الذي أرادك بتلك الهيئة نفسه الذي جعلك فرداً من ذاك الشعب.
طبعاً، لا أدعو لنكران الأصل واعتبار الامر شيئا مقدراً لا يُهتم له، بل ادعو للاحساس بالانتماء من خلال الآخر، فإنك حين تحتك بالآخر تعيش انتماءك فيه، وأنت تحتفي بخصوصيتك وتجعلها تظهر علانية فعلا وقولا، أما الافتخار الزائد عن حده المفتقر الحجة فهو مجرد عصبية لا حاجة له ولا يولد الا الصدام وهو أساس الفُرقة والخلاف.

السبت، 7 يوليو 2012

سيرة الحب ٢

كادت ان تكون الحياة... "يا حياتي"... هكذا كان يحب ان يسميها.
الامازيغ شعب يحب الحياة وهي كانت تأمل ان تكون تلك الحياة، كانت تتمسك بالحلم وهي تكتب له قصة الحياة التي عرفتها داخل عينيه، لم يسبق لها ان كتبت بمثل ذلك الاحساس، حين ترى طيف انسان يعانق الفكر كله وانت تنظر اليه وتبتسم كأنك تقصد انك مستعد لتتبعه اينما مضى فهو الثقة والأمان، وهو الوفاء والمحبة، كانت ابتسامته تكفي لتغري عقلها بكلمات لم ترِد الى ذهنها من قبل، وكثيرا ما كانت تؤكد له ان في نظراته شيئا ما لم تجد له تفسيرا بعد.
كانت الصباحات تشرق عندها بإشراقة رسالة تصلها منه يهدي لها فيها نسيماً من الكلِم الطيب الذي يخترق مسام جسدها وهي ترقص للحياة فرحاً وتجاهد  بداخلها رغبة عارمة بالصراخ عاليا فتسارع بطمسها وراء ارتشافة كأس من الشاي.
الامازيغ شعب يحب الالغاز، وهي كانت تتحدث بطريقة الالغاز كثيراً إلا معه، كانت نظرته للاشياء دقيقة ومبسطة فلا يرى ان هناك ما لا يعقل ان يوصف بتفصيل ولو كان مغزاه غامضا، وفي ذلك أدرك انها اقتحمت شرايين عقله اذ رسمت له طريقته في التفكير كما لم يرسمها أحد كأنه يكتشف نفسه أمامها.
كان لا يحب الانتظار الطويل وهي بطابعها الهادئ لا تكره السرعة لكنها تمارس البطئ في كل شيء، فاذا غابت حنَّ واذا حضرت وغاب اشتاقت، وظل المد والجزر يسرقان، منهما ليالي الشتوية الباردة حتى رسى الامر الى منتهاه فصار يئن إلى لقاء يرتوي به ويسقيها منه.
فكان اللقاء ذات كانون تحت المطر وباريس تئوي اليها العاشقين الى ان يذوب الثلج فينقلب كل شيء خريفاً، سقطت دمعة من هنا ومن هناك وظلت ذكرياتهما محفورة في ذاكرة باريس ،وحدها تعرف، وحدها تحتفظ بعطر ذاك السر.