الجمعة، 16 مايو 2014

فقط... للتذكير


لو سألت أي إنسان عن أهم  الركائز في حياته والتي لا يستطيع أن يعيش بعيدا عنها لوجدته يذكر لك ثلة من الأشخاص المقربين له سواء قرابة دم أو قرابة إنسانية صنعتها عشرة السنين، وبعد ذلك مباشرة سيتكلم عن أشياء محيطة به سواء مادية أو روحية متعلقة بالظرف والمكان، وكلنا بشر نتعلق بالناس ونتعلق بأشيائنا وما تعودنا على رؤيته والتنعم بريحته ونحس أننا لا نكون فعلا نحن بمعنى الكلمة إلا ونحن في ذلك المحيط بالذات بكل مكوناته عموماً.
وبعد هذه المقدمة التي لا يختلف عليها ذوو عقل، فلندخل في صلب الموضوع ولنتصور جميعاً أن أحدا يتهجم عليك بكل طغيان ودون أدنى حق، فيقتل أقربائك وأحبابك ثم يقرر أن يقتلعك من محيطك أي من بيتك، و حيك و مدينتك بل وبلدك كله، فيطردك خارج الحدود ويهجرك غصبا عنك، ويدمر كل أشيائك ويمسح كل أثرك ويستولي على ذلك كله ويرميك خارجا بلا مأوى و بلا حماية، ويصعقك بقوله "هذه أرضي وليست أرضك" 
تصور هذا كله، واعتبر أن كل هذا يحصل معك ولا أحد يهب لمساعدتك وأن لا حول لك ولا قوة، مجروح البدن والروح، مسلوب الحق والأرض والأهل والممتلكات، تزحف من موطنك باحثا عن أرض أخرى تأويك لعلك تهدأ فتفكر فيما يحدث معك، فتستفيق من صدمتك...تلك هي النكبة! 
هكذا أصورها من منظور إنساني بحث دون الدخول في تفاصيل الواقعة ومعناها السياسي والديني، فقط ليدرك كل ذي عقل ما الذي حصل ببساطة ويستشعر قمة الوجع قبل أن تعمي بصيرته الصورة الحالية والتي تجردت عند الكثيرين من أصل الحكاية وأولوها بما لا صلة له بالموضوع البتة، وصاروا يجرمون الضحية ويتآمرون على المدافع عنها ويرتدون عذر الدفاع عن النفس بوقاحة لا منتهية..! 
بالنسبة لي فلسطين تعني الكثير دينيا وتاريخيا وكجزء من كيان أعتبر نفسي خلية منه، ولكن كإنسانة فالفلسطيني المهجر أخي، وأعتقد أني مقربة إليه بحكم روابط تجربة اغتراب أستطيع من خلالها تذوق جزء من مرارة ما عاشه ويعيشه الفلسطيني المبعد عن دياره قهراً، فكوني مغتربة عن بلدي الأم أعرف تماما ما يعنيه أن تعيش مدة مطولة بعيداً عن كل ما تحبه وتشتهي أن ترجع إليه أكثر من أي شيء آخر، وتشعر بكيانك يتسمم من حر ذلك الشوق الدفين، تحاول أن تتعايش مع حاضرك الذي فرض عليك طبعاً، لكن الدمعة لا تزال عالقة بعينك كلما ذكرت بلادك على مسمعك، تفرح كلما لقيت مهجرا آخر مثلك كأن وجوده يخيل إليك أنك لست وحدك في محيط ليس يشبهك وأنك معه قد تسترجع شيئا ولو قليلا مما تحن إليه، وفي داخلك يزيد الألم كلما زاد يكبر عدد السنين التي تمضي على النكبة ولا شيء يتغير، ولا أمل يزور أفق مبتغاك الأول والأخير، ثم دون أن تستسلم لأن ذلك ليس أبدا من شيمك ولأنك على كل حال لن تكون أسعد لو سلمت الأمر لما هو عليه، فتحاول أن تبقي الذكرى في أذهان الجيل الجديد الذي لم يعرف فلسطين إلا فيك وأيضا في كل مساحات الإنسانية التي تستقبل كلمتك كبرهان خالد عن أكبر جريمة إنسانية ارتكبت منذ عقود ولا زال مرتكبوها في سلام آمنين لا من يسائلهم ولا من يحاسبهم.. بل إنهم لا زالوا يجرمون والله يرى ويشهد، ولن يسلم ظالم من عقاب ولو بعد حين.
وفي الأخير لا يغيب عن بال مسلم أن فلسطين ليست كأي أرض، ومكانتها عند كل مؤمن بعقيدة الإسلام لا تسمو إليها تلك التي يدعيها غاصبوها وأهلها أحق بها من قوم لا يقيمون العدل ويحسبون أنفسهم ملوك الأرض، فالقضية كما يعلم كل ذي حكمة لم تكن يوماً قضية سياسة ولو شبه لذلك، وإنما هي قضية عقيدة فالذي لا يتواضع لله وينشر جبروته في الأرض ولا هو يقيم شرع الله ولا هو يستقيم لقوانين بشرية ويستعلي بنفسه فوق كل شيء، لا عجب أن يكون كاذبا مفسدا لا ذي حق كما يدعي، والتاريخ لن ينسى فهنا فقط مجرد...تذكير، فقط لا أكثر، والكل يعلم لكن لعل البعض ينسى.
وعلى سبيل الحب لا ننسى فإن مواجعنا ما عادت ترثي فلسطين وحدها، إن قلب حضارة الإسلام كلها معلول من بغداد إلى الشام وأرض الكنانة، عجل الله لنا بالفرج.

الخميس، 15 مايو 2014

وكأنك يا زيد ما غزيت

ولم أعلم أنك بالهوى هلاك 
وأن الصب قد يأتي بالإفك
وأن أصدق الحديث فيه شك 
حتى رأيت تلك الفعال منك 
فما الذي رماني إليك 
وقد صددت بابي عنك 
وسموت بفؤادي احتراسا منك 
ثم سئمت مني وسرتُ إليك 
وقلت في نفسي إنك ملك 
لي بعد أن بعتني كل سرك 
ففتحت بابي وقلت لا إمساك
وهممت بالدعاء لك آنذاك
وعددت فضائلك ومحاسنك 
واصطنعت عندي مقاما لك 
وغفوت على حكايتي تلك 
فإذا بك ذاك الصباح تفتك 
بها وبي وأنت لها تحبك 
عذب القصيد ورميتنا وراءك 
فأي هوى كان وأي باطل ذاك
أفرأيت لو كنت مكانك 
لما استكثرت أن أستعفيك 
وما كسرتك بالخبر صكا
ويح لك..
ما رأيت بعد ذلك إلا المغادرة
تخلت الريح عن السفينة 
فقادها الموج صوب اليابسة 
فلعلها هناك تجد السكينة 
وليهنأ شن.. بطبقة 

الخميس، 8 مايو 2014

كيف نبتسم؟


أخاف أخاف أن لا يبقى هناك سبب للبسمة يا صغيرتي، قد مضى من العمر الكثير وقد كنا نعيش كأننا نسينا أو كنا نتناسى، لم يكسر أحد حاجز الصمت من قبل وكان الكل يعلم أن هناك شيئاً خاطئاً في الوضع بل هي أشياء كثيرة تعايشنا معها ولم نفكر يوماً أن نعارض أو نقول عاليا ما تكبته أنفاسنا.
أحيانا اعتقدت أننا فعلا صرنا متحدين نشبه بعضنا في كل شيء، نتحدث بنفس اللسان ونأكل من ذات الطعام، ونجابه نفس المشكلات، أفراحنا واحدة، كنيسة ومسجد وتاريخ يجمعنا تحت ظله، حتى المذاهب لم نكن نعرف لها وجوداً في واقعنا، فقط نشاهدها في المسلسلات ونسمع عنها في تلك النقاشات الحامية التي تبثها برامج السياسة التعيسة، كان كل شيء كأنه عادي...تقريبا. 
وكلما زاد الوعي، ظهرت تلك الحقائق وبدا كل شيء واضحاً، نحن شعب متعدد الأعراق والأجناس والأديان والمذاهب، ولا ندري حقا ما الذي يجمعنا، أهو الوطن؟
أي وطن ؟!
كيف نسميه ، أي صورة نعطيه، أي لون نهديه؟
ثم نرجع فنسأل: ما نحن؟ 
أي شيء يميزنا ؟ كيف نعرف بأنفسنا؟ 
وهناك...بدأت الحرب! 
وعلمنا أننا إن لم نسرع بإدراك الجواب فهناك من سيتفرغ لذلك ويخبرنا كيف يرانا، وسوف نضطر لنختار أي الأطراف تشبهنا وقد لا يمنحوننا فرصة الإختيار، من الممكن جدا أن يمسحونا من الوجود...كإجابة قاسية على السؤال : ما نحن؟ 
صار العالم يتحدث عن الكرامة والحرية ومقامات فلسفية لا يفقهها السلاح والدم، يعتقدون أن من يفتح عينيه على عالم لا يعرف كيف يسميه ولا موقعه منه، سيتلقى شعارات الحرية ببساطة وهو محكوم عليه منذ أزمان أن لا يفكر ولا يقع في مستنقعات الفلسلفة والفكر، يريدون أن ننسلخ من عصمة الجلاد وهو يحمل فوق أعناقنا سيفه.
لم يعد هناك سبب حقيقي لنبتسم يا صغيرتي، فنحن كنا نبتسم فقط لذواتنا حين نلتقي بالحبيب فنعشق وتغيبنا أبيات الشعر في غمرات الهوى، وكنا نبتسم لمّا بخجل نخفي أسرار حبنا ومغامرات الجنون كأنها ملفات مخابراتية أميركية لا يجوز أن تعبث بها أياد معلومة، وكنا نبتسم لما نحصل على علامات ممتازة بالمدرسة، وكنا نبتسم لمّا تمطر على بيتنا القديم فنلعب غير آبهين ونتجارى تحت زخات المطر، وكنا نبتسم لمّا نقبل أيادي أمهاتنا وهن يدعين لنا كل صباح ومساء، وكنا نبتسم لمّا تنجب إحدى نسائنا ونصبح أكثر، وكنا نبتسم لمّا يتخرج أحد أبنائنا ونفرح لجهده وتعبه، وكنا نبتسم لمّا نلتقي في العيد ونأكل الحلوى ونتبادل الهدايا، وكنا نبتسم لأننا مجتمعون في مكان واحد وقلوبنا على بعضها..
ثم اختفى كل ذلك ذات حرب،
لا أم نجد ريحها ونقبل يديها 
ولا حبيب نحتمي بأحضانه وندفن عنده الهلع
ولا صديق نختلي به ونقاسمه قهوة الصباح
ولا صغير نذوب في براءة عينيه ونجيب على أسئلته الوجودية الإستثنائية
ولا جار نعيش معه الحياة كما كانت
ولا مدرسة ولا جامع، ولا كنيسة ولا بيتنا القديم ، وحتى المطر صار يأتينا قذائف تؤذينا ولم نعد نلعب ولا نبتسم.
الأم والصغار ذبحوهم والحبيب اعتقلوه والجار انقلب ضدنا والمدينة غرقت في الدم والدمار، وشجرة الزيتون وحدها ظلت هناك تقاوم وحدها، أيقتلعونها يا ترى؟