الاثنين، 26 سبتمبر 2011

رمضان في رحاب الحرمين الشريفين #2

في رحاب المدينة المنورة

اخيرا وبعد ان وجدنا امتعتنا وانهينا كل الاجرءات الادارية في مطار المدينة المنورة توجهنا للحافلات التي تنتظرنا خارجا لتقلنا الى الفندق الذي سنقيم به اثناء مدة بقاءنا في مدينة رسول الله ، حطت رؤوسنا على الكراسي بشكل لا ارادي من شدة التعب بعد يوم كامل من السفر، لكن التعب سرعان ما تلاشى من افكارنا عند اول نظرة لمسجد رسول الله ، احساس رهيب ان تنظر بعينك لمسجد بناه احب الناس اليك ، وعاش فيه ومات فيه ، حتى الخطوات اليه يكون لها وقع كبير على النفس ، فهي خطوات على خطى الحبيب بالمعنى الدقيق ! هناك مشى ذات يوم ، هناك اقام اول دولة للمسلمين ، هناك تجملت الحياة ذات يوم بوجوده ، ان تكون انت هناك بجسدك وروحك لمن اروع ما يكون ، صدقا هي تجربة تعاش ولا تقال.
وصلنا الى الفندق قبل صلاة المغرب ، توضأنا وحملنا الحماس مباشرة لمسجد رسول الله ، نسينا العياء والتعب كله وحملتنا الاشواق للمسجد ، حيث التقينا بمسلمين من مختلف الاجناس والالوان ، منهم العربي والعجمي كلهم جاء بهم حب رسول الله الى ذلك المكان ، مع حضور مغربي قوي على خلاف مايكون عليه الامر عادة خلال موسم الحج حيث تحرم القرعة الكثيرين من الوصول لذلك المقام، صلينا صلاة المغرب داخل المسجد الممتلئ عن آخره ! ثم رجعنا للفندق لنتناول وجبة لا مقام لها من الاعراب ، وُجدت للضرورة فقد جعنا وكما هو معلوم بما ان اليوم الموالي هو اول ايام رمضان ، فصلاة التراويح كانت ستبدأ من تلك الليلة ، لذلك فضلنا ان نأكل قبل الذهاب لصلاة العشاء المتبوعة بصلاة التراويح وما ادراك ما صلاة التراويح ، تجربتي السابقة مع هذه الصلاة سواء في المغرب او في فرنسا التي كنت دائما مداومة عليها في شهر رمضان ، تتلخص في ثماني ركعات او عشر على الاكثر ، وقد كنت اعتقد ان الامر كذلك في كل دول العالم الى ان اكتشفت ان التراويح في السعودية وربما دون شك في دول اخرى مجاورة ، تتكون من
عشرين ركعة كل يوم ! وهنا اتذكر موقفا طريفا حصل معي في اول يوم ، لم اجد مكانا داخل المسجد فصليت في الساحة بجوار مجموعة من الاخوات الاندونسيات ، بعد ان صلينا عشر ركعات جلس الامام في استراحة قصيرة ، لم يدرك حقيقتها الا من اعتاد على ذلك اما انا فقد اعتقدت اننا انهينا الامر وكنت انتظر صلاة الشفع والوثر حتى ارجع للفندق لاستريح اخيرا من التعب الذي بدأت اشعر به ينخر عظامي وخصوصا اني صليت العشر ركعات على الارضية الرخامية للساحات دون سجادة ، واثناء تلك الاستراحة سألتني جارتي الاندونيسية بكلمات انجليزية متقطعة مرفوقة بالاشارات فهمت منها انها تسألني كم صلينا فاخبرتها انا اتممنا عشر ركعات ، ثم سألتني مرة ثانية كم بقي لنا ، فاخبرتها اننا اكملنا ولم يبق سوى الشفع والوثر ، وفي تلك اللحظة بالذات ، نادى الامام الثاني الذي يصلي بنا مكان الاول :"الله اكبر" ، فقمنا على عجل للصلاة ، فاذا بالامام يختم سورة الفاتحة ويتم تلاوة سورة البقرة ، استغربت الامر بداية وبعد ذلك اعتقدت اننا على الارجح سنصلي ركعتين اضافيتين ، الا ان الامر نفسه قد تكرر في الركعتين المواليتين ثم في الركعتين اللتين بعدهما وفي كل مرة كنت اقول في نفسي ، ان شاء الله ستكون هذه هي الاخيرة ههه بل اضافة لذلك كنت اقوم باقناع اختي الصغيرة التي بجانبي انها ستكون الاخيرة حتى تقوم وتصلي معي ، فاستمر الامر الى ان وصلنا لعشرين ركعة، انفجرنا بعدها بالضحك من كثرة طرافة الموقف ، سلمنا اخيرا على الاخوات الاندونسيات اللواتي نال منهن التعب ثم انصرفنا للفندق.

قضينا تقريبا اسبوعا في المدينة المنورة الطاهرة ، كانت تمضي على ايقاع الصلوات الخمسة ، وما اجمل ذلك الذهاب والاياب على شارع السلام الانيق جدا والذي يزيده جمالا تلك الاعداد البشرية الكثيرة التي تزحف نحو المسجد تارة وخارجه تارة اخرى ، ولعل اجمل صلاة في المسجد النبوي هي صلاة الفجر ، حقا هي صلاة استثنائية لا يمكن لبشر ان لا يخشع فيها ، ولو اني لم اكن اعرف اسماء القراء  الذين اموا الصلاة في المدينة حيث انهم ليسوا مشهورين كقراء مكة المكرمة ، الا اني احببت جدا قراءة الامام الذي كان يصلي بنا صلاة الفجر ، كنت تسمع صوته يقرأ فتبكي دون انقطاع ، حين يقرأ سورة تكاد تقسم انك لم تسمعها من قبل ، من شدة اختلافها على لسانه !
من اجمل ما اعجبني ايضا في مدينة رسول الله هي اللقاءات الرائعة التي قمت بها هناك ، فذات يوم مثلا اجتمعنا انا واختي مع دكتورة مصرية واخت سورية وعائلة اردنية واخوات تونسيات عند موعد الافطار داخل المسجد ، في بداية الامر كان اهتمامنا الاول هو وجبة الافطار ههه ، فقد كانت توزع علينا بنات متطوعات وجبة الافطار المتكونة من قطعة خبز وتمر وكأس ماء وعلبة زبادي ، الا ان التوزيع انقطع قبل ان تصلنا المعالق ، وهنا بدأنا نفتح النقاش بسبب الملعقات التي تطوعت الاخت المصرية وراحت تبحث لنا عنها وهي عاشقة الزبادي بامتياز ، بعد الافطار بدأنا نتعارف ونتناقش في امور عدة ، وصلت بنا للقهوة "العربية " قهوة لم اكن اعرفها ولم اشاركهن الحديث عنها فقد اكتشفتها في الحقيقة لاحقا في مكة ولنا عنها حديث لاحقا.
وكما سبق واشرت اليه فوجبة الافطار في المسجد النبوي ، متوفرة والحمد لله والشكر للمتطوعين والقائمين على هذا الامر ، فالحق انهم وفروا لنا كل يوم وجبة افطار كاملة ، تتكون مما ذكرت سابقا وينضاف الى ذلك علبة من الارز بداخلها فخد دجاجة مقلي ، بالنسبة للمصلين خارج المسجد اي في الساحات وذلك حرصا على نظافة  المسجد النبوي، لا اخفيكم سرا ان الساحات بعد الافطار مباشرة تكون شبيهة بساحة حرب، القذائف فيها مصنوعة بالارز، للاسف المسلمون لا يدركون ان النظافة ركن من
اركان الايمان ، ليست فقط من الآداب او من الجماليات ! ذلك اسلوب حياة رأيت الكثيرين لا يأبهون به ابدا ! ناهيك عن الهمجية حين انتظار وجبة الافطار ، بعضهم ينهال على المتطوعين ليأخد منه ما يحمل دون ان يكترث للآخرين ! بل اني رأيت اكثر من ذلك فعادة الساحات تكون مقسمة بين المسؤولين عن احضار الطعام ، كل يتكلف بمساحة معينة ، وداخل تلك المساحة يوزع الطعام الذي احضره على الجالسين داخل اطار مساحته وقد يكون مختلفا شيئا ما عن الطعام الذي يوزع في المساحات الاخرى ، ولذلك فبعض الناس سامحهم الله يأتون باكياس بلاستيكية ويجلسون  دقيقة هنا ودقيقة هناك حتى يجمعوا من الطعام ما قد يكفي قبيلة من البشر !
ومع ذلك فقد كان ممتعا ان تفطر كل يوم مع مجموعة من المسلمين لا تعرفهم ولا يعرفونك ، بعضهم يحضر من عنده مأكولات من بلده يعطي منها لجيرانه وكذلك كنا نفعل ب"الشباكية"المغربية .

يُتبع

هناك تعليقان (2):