الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

الحلقة التاسعة : زمن العار


كانت البداية صعبة جدا ولم يكن التأقلم سهلا ف"س" لم تكن تحتمل الوضع وكانت لا تطيق الاشخاص الذين تعاشرهم في حياتها الجديدة ، بدءا بالبهلوانين السخيفين : "روبن" و"ادريان" اللذان كانت تعتقد حقا ان عقليهما تأخرا في النمو مقارنة مع عمرهما ، فسلوكهما الطفولي وتوقهما المجنون للعب كان يظهر لها كأنه خرافة او مزاح طال عليه الأمد فليس من المعقول ان يتصرف طفل في الرابعة عشر من عمره بتلك الطريقة اللاواعية !
ومع ذلك واحتراما لمبادئها فقد ظلت تستحمل حماقاتهما في صمت وتبتسم لنكتهما الغير مضحكة لانها اكتشفت في آخرالمطاف انهما خير بكثير من باقي تلامذة القسم الذي اخ
تير لها ان تدرس فيه ، فمجموعة البنات ليس لهن شغل شاغل غير الزينة والماكياج والاولاد والملابس والموضة وبرامج التفزيون ومجموعة الاولاد بدورهم ليس لهم حديث الا عن البنات بعد مباريات كرة القدم واحدث الالعاب الالكترونية !
داخل هذا المحيط الغريب كانت "س" تحاول جاهدة ان تجد لها مكانا يليق بشخصها وطريقة تفكيرها لكن سرعان ما
ادركت ان ما يدور في عقلها من افكار لا يليق ولا يمكن ان يتناسب مع جو ذلك المكان : الاعدادية !
الاعدادية مؤسسة حكومية وذلك يعني ان هناك قوانين تطبق داخلها ليست مثل القوانين التي ستطبق مثلا في الشارع وقد كان اول شيء يقام به عند دخول ذلك المكان هو استلام كتيب خاص على ظهره يكتب اسم الحامل وقسمه واستعمال الزمان وبدا
خله يوجد مكان مخصص لملئ اوراق الغياب او التأخير وكذلك صفحات خالية مخصصة لكتابة كل المستجدات التي يطلب الاساتذة ايصالها للآباء للتوقيع عليها واخيرا يحتوي الكتيب على ما يسمى :" القانون الداخلي للمؤسسة " وهو قانون فعلي يؤخذ مأخذ الجد ولا يستهان به ابدا خصوصا فيما يخص بعض البنود التي سأتحدث عنها لاحقا.

المنهج التعليمي الفرنسي لا يختلف كثيرا عن المنهج المتبع داخل المؤسسات المغربية ، لذلك ف"س" لم تشعر بالتغيير من هذه الناحية ، لكن ما فاجأها حقا هو الاختلاف الكبير في طريقة التعليم ، فالاستاذ الفرنسي لا يستطيع ان يضربك او حتى يلمسك (القانون يمنعه من ذلك) وهو سيتحمل مشقة عناء ان يصحح الامتحانات في يومين او ثلاثة ولا يمكن ان يزيد كما انه نادرا ما يوبخك على سؤال طرحت
ه وان كان تافها او سبقت الاجابة عليه لكن وكما سبق وقلت المنهج واحد واقصد بذلك ان الاهم قبل كل شيء هو النقاط التي ستحصدها في الاخير والتي ستقرر مصيرك في السنة المقبلة فمهما كنت نشيطا دائم الحضور ، كثيرالسؤال ، شديد الاهتمام ومؤدب السلوك لن تجني شيئا الا ان حصلت على نقاط مشرفة ولعل ذلك هو ما يجعل الكثيرين يتهاونون بصفة خطيرة فيما يخص السلوك والمشاركة ولا يهتمون الا بالامتحان!

امضت "س" عامين كاملين داخل هذه المؤسسة وانتقلت بعد ذلك بنجاح الى مستوى الثانوية العامة ، مؤسسة جديدة ، اساتذة جدد و"قانون داخلي آخر" ، تغيرت بعض الامور خلال تلك المرحلة لان "س" وجدت اخيرا وبعد طول انتظار عقولا تميل الى افكارها واشخاصا لهم نمط حياة لا يعارض اعتقاداتها ، وحتى شهيتها للدراسة والمزاح كأنما طرأ عليها تغيير مفاجئ نحو الافضل ، فبعد عامين من الانعزال وفقدان الرغبة في الكلام ، صارت "س" تتداخل مع الخارج من جديد شيئا فشيئا لكن اكبر مشكلاتها والتي لم يطرأ عليها اي تغيير لا زالت تعزلها بجدار قويم عن باقي الناس , مشكلتها انها فتاة مسلمة تعلق قلبها بالحجاب الذي كانت ترتديه منذ اعوام كثيرة ،و "القانون الداخلي " لتلك المؤسسات يمنع فيه منعا قاطعا ارتداء اي شيء يغطي الرأس وخصوصا اذا كان ذلك الشيء يحمل دلالة تشير الى دين او معتقدات حامله كما هو شأن الحجاب ! ومن اجل ذلك فقد كانت "س" تنزع كل يوم حجابها امام باب المؤسسة ليسمح لها بالدخول ...

فقد صادف عام وصول "س" الى فرنسا تلك الفترة التي كثر فيها الحديث عن الحجاب وفي ذلك الموسم الدراسي بالذات منع الحجاب داخل المؤسسات العمومية بدعوى العلمانية فكان المأزق لا مفر منه ، خرجت مع المتظاهرين والمتظاهرات الى شوارع باريس وصرخت بأعلى صوتها معلنة رفضها لذلك القرار الظالم ، ناقشت الناس من حولها عن معاناتها وافصحت عن كل ما كان يخالج صدرها ، تمنت لو تدخل آنذاك اي حاكم مسلم ليساند المسلمات الفرنسيات ويوقف نزيف الجرح لكن ، لا حياة لمن تنادي ...!
ادركت ان الامر انتهى وحسم يوم شاهدت ذات يوم في التلفاز الوزير الفرنسي "ساركوزي" وهو جالس مع مشايخ من الازهر على رأسهم السيد طنطاوي رحمه الله وغفر له وهو يقول "هذا حقهم ، هذا حقهم ! "
كان وقع الخبر شديدا ، وساد الاحباط في نفس "س" ثم شعرت بالكره والحقد وكأنهم اشعلوا فتيله في صدرها ، وكم من مرة احست برغبة شديدة في لقاء "ساركوزي" وجها لوجه فقد كان هو بادئ كل شيء وسانده الجميع بعد ذلك في حربهم الخبيثة ضد الاسلام . ايه والله انها حرب ولو لم يعلونها لنا علنا فافعالهم تفضحهم !
المعاناة ما زالت مستمرة الى يومنا هذا فالمسلمة الفرنسية لا تستطيع ارتداء حجابها داخل الاعداديات ولا الثانويات ولا بعض المدارس العليا الحكومية وحتى لو درست بالجامعات او مدارس خاصة حيث الحجاب ليس ممنوعا فهي لن تجد عملا بحجابها ولو حصلت على ديبلومات عالية المستوى !
اهذه هي بلاد الحقوق والحريات ؟ ام انها كما اقول دائما: حريات محدودة تنتهي اينما يشتهي اصحاب القرار ان ينهوها.
المضحك في الامر ان فرنسا منافقة جدا ! فاضطهادهم لنسائهم اسوء بكثيــــر مما ينسبونه للحجاب ، فالاحصائيات هنا تقول بأن الشركات الكبرى تفضل دائما تشغيل الرجال على النساء بسبب المردودية التي قد تقل عند النساء خصوصا منهن المتزوجات اللواتي يحتمل ان يصبحن امهات ، و نتيجة ذلك فعدد النساء يكون دائما قليلا مقارنة مع عدد الرجال في كل الشركات الكبرى واضافة الى ذلك يلاحظ ان رواتب النساء لا تعادل رواتب الرجال ولو كانوا يقومون بنفس العمل ! ناهيك عن نسب العنف الاسري المرتفعة و الذي تكون النساء ضحاياه بالدرجة الاولى وهذا كله في فرنسا !

فكيف يقولون ان الحجاب ظلم للمرأة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق