الأربعاء، 7 مارس 2012

رمضان في رحاب الحرمين الشريفين #8


كختام لذكريات لا زالت تسكن فؤادي وكل كياني اخترت ان اكتب ثلة من لقطات عشتها هناك وكتبتها كمقتطفات قصيرة داخل مذكرتي التي كانت لا تفارقني ، انسخ عليها احاسيس ومشاعر الهمتها تلك الأيام السعيدة.
أربعة عشر 
هذا العدد له علاقة بي كشخص اولا لكوني عرفت الوجود في يوم يحمل هذا التاريخ وكثيرا ما امازح اختي قائلة عنه انه عدد مشؤوم ، والامر طبعا من باب المزاح فقط وانا لا اؤمن بذلك، لكني ومع ذلك ابتسمت لما كتبت ان مجموع عدد الجنسيات التي التقيت بحامليها في مكة والمدينة المنورة هو بالذات اربعة عشر جنسية على الاقل فهنا اذكر من تحدثت معهم وتعرفت على اصلهم: وكان اولهم الاخت الاندونيسية البشوشة التي سبق وذكرتها فيما فات ولو انها لم تكن تفهم الانجليزية ولا العربية ولا تتكلم سوى الاندونيسية لكن بفطرة بشرية استطعنا ان نفهم بعضنا بالاشارات وبعض الكلمات، اذكر ايضا امرأة مصرية سألتني من اين قدمت فاخبرتها اني قدمت من فرنسا لكني مغربية ثم سألتها عن احوال مصر بعد الثورة فأخذنا الحديث لدردشة سياسية عميقة اختتمتها آمال وأمنيات ودعاء، ومن المجموعة التي رافقناها من باريس تعرفنا على صديقتين احداهن مغربية امازيغية مثلنا والاخرى تونسية صرنا نتشارك معهما  الشاي والطعام والصحبة في تآخ وحميمية يكاد احدهم يخال انها صداقة قديمة تأصلت جذورها ! 
وذات يوم ونحن جالسون نتلو آيات من القرآن الكريم داخل الحرم المكي بعد ان افطرنا ونحن ننتظر موعد صلاة العشاء والتراويح ، تقدمت نحونا امرأة منقبة ذات لكنة سعودية ، سألتنا عن احوالنا وعن بلداننا ، ثم جلست تخرج من حقيبتها كتيبات دعويةومنشورات قدمتها لنا هدية ومضت تكمل طريقها

أما فيما بين صلاة الظهر والعصر فذلك الوقت هو بالذات وقت مناسب للتعرف على الناس ، فالجميع يفضل البقاء في المسجد على العودة للفندق ، ولو ان اغلبهم يستسلم للنوم بعد فترة ، وانا منهم ولو اني كنت في الايام الاولى اناضل لاجل ان ابقى مستيقظة ، اقرأ وادردش ، ولما يكون بجواري من يريد الكلام لا اتوانى في تبادل اطراف الحديث كما فعلت مع الاخت الغزاوية والاخت الايرانية التي فرحت جدا بلقائي لما علمت اني من فرنسا وهي التي تدرس اللغة الفرنسية بالجامعة في طهران. 
ويبقى موعد صلاة الفجر هو اجمل موعد داخل الحرمين الشريفين لأثر عظيم تركه في روحي وايضا لغريب اللقاء ات التي صادفتني هناك ، من باكستان ، وجنوب افريقيا ، بل و من الموزمبيق ! بلدان لا نسمع عنها الا في كتب التاريخ فاذا بي التقي باهلها والاسلام يسكن قلوبهم مثلي وربما اكثر مني !
وفي أواخر أيام رمضان وبعد ان تهت عن مجموعتي والامام قام لصلاة التراويح، سارعت لأجد مكانا خاليا بين فتاتين، صليت فيه التراويح كاملة وبين كل استراحة كنت اتبادل والفتاتين ابتسامة خجولة كأنها اشارة تعني اننا نريد ان نخوض في الكلام ولكن الاستحياء يُقَيدنا، الى ان حطمنا اخيرا جدار الصمت وسعدت بالحديث مع الاختين السوريتين اللتان ولفصاحة لهجتي السورية اعتقدتا اني ايضا من الشام ! وكان من جميل المصادفة ان الامام الذي ادى الصلاة ذلك اليوم ، شيخنا ماهر المعيقلي ختم بدعاء جميـــــــــــــــــــل لاخوتنا في سوريا وقد احسست منهما التأثر به...
وغير بعيد من سوريا كان لتركيا حضور قوي داخل الحرم ، وصادفت منهم الكثيرين لكن اكثر من ترسخت في ذاكرتي ، امرأة طيبة من تركيا المحافظة، لم تكن تتقن غير التركية ولم يكن معها احد ليترجم لنا ، لكننا تمكنا من فهم مقاصد الكلام وكم اضحكتني لما امسكت بيدي اليسرى تبحث فيها عن خاتم لم تجده فسألتني بالاشارة ان كنت متزوجة فلما اجبتها ابتسمت ودمدمت كلمات بالتركية لم افهمها لعلها دعاء ...
ومن الطريف ايضا ، اخت عراقية كانت جالسة بجواري ذات فجر، اذ حدث ان سألت احدى الاخوات التي غفت قليلا اين يمكنها ان تجد ماء للوضوء ، فاجابوها ان هناك حنفية لماء زمزم قريبة من هناك ، لكن الاخت العراقية وهي صغيرة السن أم لطفلة حلوة ، تدخلت قائلة ان الوضوء بماء زمزم غير جائز شرعا! وقد سألت شيخا سعوديا افتاها في ذلك قبل مدة من ذلك ، تعجب كل من حولها وابتدأ نقاش ميتافيزيقي عجيـــــــــــــب كنت اريد ان اشارك فيه لكن قلة الدليل ورذاءة نوع الحوار المغلق لم يشجعني على ذلك فاحتفظت بالذكرى لنفسي الى ان دونتها هنا.
ومن الاكيد ان مكة لعدم تفصيلها بشكل يفرق الرجال عن النساء مطلقا فليس مستحيلا ان تلتقي هناك بالرجال ايضا ، احيانا يصلون خلف النساء رغم كل الجهود الجبارة التي يبذلها مسؤولوا الحرم الشريف ، لكن اختلاف مبادئ البشر وطريقة حياتهم في الحياة اليومية تتبين هناك ولا يحكمها دائما مبادئ الاسلام ، فكم مرة صلى الرجل وزوجته في صف واحد واماكن اخرى خالية ! اتذكر اني ذات مرة عطشت واحتجت للماء واردته باردا فدخلت للمسجد ابحث عن تلك "البراميل" المبردة ، وجدت عليها مجموعة من الرجال ، ولم ينفضوا حتى تركوها فارغة تقريبا ، لما اضغط لا يسيل الماء ، فتقدم احد الاخوة نحوي وحمل البرميل من مكانه وأماله نحو قنينتي ليسيل ما تبقى من الماء مبتسما ، سألني من اين أتيت بالانجليزية فلما سمع المغرب قال بالفرنسية "مرحبا باصدقائنا المغاربة ! انا من السينيغال" شكرته ومضيت.
وذات مساء وانا امشي بسرعة وسط شارع أجياد عائدة للفندق بعد صلاة التراويح ، لأتناول وجبة العشاء واستريح قليلا قبل ان اعود لصلاة التهجد، تقدم نحوي رجل شكله آسيوي ، سألني بالانجليزية ان كنت باكستانية ؟! نفيت ذلك  وبداخلي كنت اريد ان اضحك من غرابة سؤاله ! لكنه اكمل اسئلته دون استحياء ... سألني عن أصلي فاجبته "المغرب" فقال "امممم المغرب ...هو بلد اسلامي ؟ " قلت "طبعا! " وانا اكثر استغرابا ، فاذا به يعرفني بنفسه قائلا انه من بنغلاديش لكنه مقيم في جدة حيث يعمل حاليا هو واخوه. لم ارتح له نهائيا لكني شكرت الله اني كنت قد وصلت للفندق في ذلك الحين فسلمت عليه واسرعت نحو الفندق وانا اتساءل كيف يجهل اين يقع المغرب واذا ما كان بلدا اسلاميا وانا اعرف الكثير عن بلاده التي يقولون انها ستختفي تحت الماء اذا استمرت الفيضانات كل عام...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق