الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

رؤية خاصة

من هاهنا داخل مدينة صغيرة في ضواحي باريس يطيب لي ان ارسم لوحة بسيطة بالواني اجسد فيها كواليس حياة هادئة جدا و شبه ميتة لولا وجود تلك الشامخة باريس على بعد بضع كيلومترات فقط...
هاهنا لا يوجد مقاهي ومحلبات ومخبزات وحمامات في كل شارع ؛ لا وجود ايضا لتلك الضوضاء الخارجية التي تصفع اذنيك بمجرد ان تفتح شباك النافدة ! لا وجود لصوت الآذان؛ لا وجود لبائع السمك المتجول؛ لايوجد ايضا شيء اسمه "بقال" ! ان اردت ان تشتري شيئا فلابد ان تذهب للمحلات التجارية الكبرى الموجودة في كل مدينة او الى السوق الاسبوعي الذي ستجد فيه كل ما تشاء من ملابس و احذية و خضر وفواكه ولحوم باثمنة ارخص مما ستجد في المحلات طبعا . في هذه المدينة الصغيرة اليومان المخصصان للسوق خلال الاسبوع هما السبت و الاربعاء حيث يجيئ البائعون بسلعهم و بضائعهم ليعرضوها داخل الساحة المخصصة لهذا الغرض..بعد الثانية مساء يكون كل شيء قد انتهى وكل البضائع قد جمعت وكذلك الازبال ! وهكذا الامر كل اسبوع.
هذه المدينة نصفها يقع في منطقة مرتفعة قليلا و نصفها الآخر الذي هو وسط المدينة اكثر انخفاضا ؛ ومع صغرها الشديد فهي تتوفر على كل المرافق اللازمة فهنا يوجد مستشفى ومدرسة ابتدائية و اعدادية و ثانوية و كنيسة كبيرة وسط المدينة و منتزه وقاعة سينما وخزانة بلدية وقاعة للحفلات ومركز شرطة و مكتب البريد وايضا معلمة تاريخية و هي عبارة عن بناية قديمة كانت مركزا علميا هاما مختصا في علم الفلك .وتوجد ايضا محطة قطارات تشكل قلب المدينة ، اما المسجد فهو يقع في حدود المدينة المجاورة .
المنطقة العلوية للمدينة هي عبارة عن احياء سكنية ليس فيها تقريبا الا منازل ؛ منزل تلو الآخر مع احترام قانون حديقة(ولو صغيرة) لكل منزل طبعا حفاظا على بيئة سليمة .
حين تمشي داخل هذه الاحياء ستعتقد لبرهة انك وحدك وسط جزيرة مهجورة لانك لن تصادف آدميا واحدا في طريقك ! الا اذا كنت قد خرجت في الصباح الباكر ما بين السابعة و التاسعة صباحا ؛ قد تصادف امرأة عجوز تحمل ذلك الخبز الفرنسي المعروف او أسرة تستعد ليوم طويل : الأب باللباس الرسمي اي البذلة و ربطة العنق المناسبة ، الأم بتنوتها القصيرة و كعبها الطويل والأولاد بمحافظهم المدرسية ؛ كلهم يستعدون ليقضوا اليوم خارجا تاركين وراءهم الحي خاليا اللهم من نباح الكلب الذي لم يجدوا له وظيفة بعد ...
وان كنت تريد ان تتعرف على سكان المدينة فإما ان تذهب للسوق الاسبوعي او تتسكع بالمحطة وما جوارها ، هنالك ستصادف على الأقل عشر جنسيات مختلفة ستعرفها من لغاتهم واجناسهم واشكالهم وايضا من لباسهم ! ستصل الى مسامعك رنات عربية وافريقية وآسيوية وايضا اوروبية . قليلا ما ستسمع الفرنسية ...
هذه هي المدينة التي استضافتني في حماها قبل ست سنوات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق