الخميس، 6 مايو 2010

الحلقة الثانية : تفاصيل حياة


"استعمال الزمان"، هكذا كانت "س" واقرانها في المدرسة يسمون تلك الورقة التي يستلمونها في بداية السنة الدراسية والتي يتبينون من خلالها اسماء المواد التي سيدرسونها واسماء المدرسن وكيفية توزيع ساعات الدراسة على الاسبوع: من الاثنين الى السبت .
هكذا يبتدأ العام ، فترتسم على وجوه البعض ابتسامات عريضة حين يكتشفون ان الحظ حالفهم لان الاستاذ الفلاني او الاستاذة الفلانية كان من نصيبهم هذه السنة وعلى عكس ذلك ترى البؤس بل والدموع احيانا تتساقط من عيون بعض التلميذات اللواتي شاءت ادارة المدرسة (حتما عن غير قصد) ان تجعلهن في اقسام متفرقة فتكون بذلك قد حطمت اسطورة صداقة قيل انها ستكون أبدية (...).
هكذا و ككل سنة يعود الصخب الشديد والضوضاء الى ساحة المدرسة ، يلتقي الاصدقاء من جديد بعد قضاء عطلة صيفية ممتعة ، قد تكون المتعة فيها فقط في طريقة روايتهم الدرامية المخالفة للحقيقة والتي احيانا تتجاوز حدود الخيال...فالمهم ان تروي شيئا ما فتكون من اهل الجماعة ،فلا يجوز شرعا (والشرع هنا شرع الاطفال والمراهقين) ان لا يكون لك حكاياتك الشخصية التي سيسمعها عنك اصدقائك في هذا اليوم الرائع المشمس.
كدلك كانت "س" تسهب في تصوير مشاهد وحكايات عن عطلها الصيفية في شاطئ "اكلو" وفي مدينة "تيزنيت" ولكنها هذا العام وعلى غير عادتها تجد نفسها شبه وحيدة في قسمها الجديد؛ هي طبعا ليست من ذلك النوع الذي تتساقط دموعه بهذه السهولة ومع ذلك فقد انتابها شعور غريب وكأنها ستقدم على فعل مهمة لم تقم بها منذ اول يوم دخلت فيه الى شيئ اسمه المدرسة ، كان يتوجب عليها ان تختار من بين عشرات الفتيات صديقة جديدة ! وشروط "س" في صديقتها كثيرة والوقت ليس كافيا لكنها وبعد محاولتين فاشلتين افلحت اخيرا واستطاعت ان تجد صديقة لطيفة هادئة ارتاحت لها نفسها. وهكذا في هذا اليوم الرائع المشمس ، تبدأ "س" العام الجديد مع صديقتها الجديدة داخل المؤسسة الجديدة (الاعدادية).

هذا العام كان مرحلة مهمة في مراحل حياة "س" ، ليس فقط لكثرة التغيرات التي طرأت فيه ولكن لكونه ايضا عاما فريدا من نوعه والايام التي جاءت من بعده هي من تبرهن على ذلك. من جملة التغيرات التي عاشتها "س" ذلك العام مثلا ، عدد المواد الجديدة التي اكتشفتها والتي لم يكن لها وقع على نفسها غير انها بثت فيها حماسا ورغبة شديدة في التعلم كما لم تعرف مثلهما من قبل، حتى انها كانت تشتاق للدراسة اثناء العطل !
منذ ذلك العام بالضبط بدأ عشق "س" لمادة التاريخ والتي الى اليوم مازالت تحبها بجنون ولعل اكبر الاسباب في ذلك استاذ كبير كان في نفس الوقت احد جيرانها داخل الحي، لدي
ه طريقة رائعة في التعليم ، يوصل الفكرة اليك بعمقها الباطني ويجبرك على التساؤل حول معاني كل المفردات التي قد تقرأها دون اعارة النتباه ،وكان له ايضا الفضل الكبير في تعريف تلامذته باشياء كثيرة خارجة تماما عن نطاق الدرس او المادة ولكن مهمة جدا كثقافة عامة خصوصا لناشئين لا زالوا يخطون اولى خطواتهم على درب الحياة، وقد كانت له ايضا لمسة فكاهية لطيفة جعلت من حصصه رحلة ممتعة في عوالم التاريخ ،لا زالت بصماتها عالقة في ذاكرة "س".
تعودت "س" على الايام الرائعة المشمسة التي تقضيها داخل الاعدادية وكانت كل يوم تصطحب معها الى المنزل احلامها الكثيرة لتواصل رسمها داخل محيط افكارها ، لكن سرعان ما ادركت ان المنزل ليس فقط مرتعا للراحة من "اتعاب" الاعدادية بل هو مدرسة اخرى تتعلم فيها قوانين الحياة التي لن يدرك استاذ التاريخ تدريسها ...
داخل المنزل مواد اخرى ومدرسون آخرون ، كان لابد ل"س" ان تتعلمها ايضا دون ان تحصل على دبلوم ورقي في آخر السنة فقد كان المحفز الوحيد ايمانها ان الجنة تحت اقدام امها وايضا برضى من ابيها ، كما انها كانت تحب ان تسير على خطى إخوتها الذين يكبرونها سنا وخبرة .
وعلى ذلك فقد كانت تقوم ببعض الاشغال المنزلية ككنس الغرف وتنظيفها وغسل الاواني وجمع الملابس وشيئا فشيئا كانت تتعلم تحضير الخبز لكنها غالبا كانت تكلف فقط بمهمة توصيل الخبز او العجين الى الفرن الخارجي وهو عبارة عن حانوت فيه فرن كهربائي كبير (يستعمله الخبازون خصوصا) ،يحضر اليه الناس العجين المخبوز على شكل دوائر صغيرة او كبيرة حسب رغباتهم ، ثم بعد ساعة تقريبا يعودون ليأخذوا خبزا طازجا شهيا دون ان ينسوا ان يؤدوا للخباز ثمن ما قام به .
"س" كانت ايضا هي من يرسل احيانا عند البقال لاقتناء حاجيات المنزل الضرورية مثل الحليب والزبدة والبيض وما الى ذلك من مواد غذائية و غيرها يكثر استعمالها في المنازل التي فيها حضور انثوي قوي مثل منزل "س". لم تكن تحب هذه المهمة بسبب خجلها اللامنطقي امام كل الرجال او الذكور عامة ، فقد كانت تجد دائما عند البقال رجلا او رجلين على الاقل من اصدقائه يجلسون معه اوقاتا طويلة ليؤنسوا وحدته داخل دكانه الصغير ، لكنها ذات مرة اصطحبت معها اختها الصغيرة الى الدكان الجديد الذي فتح ابوابه على بعد بضعة امتار فقط من الدار وهنالك فوجئت ببقال بشوش طيب يعشق الاطفال ، كان يفرح كثيرا عند رؤيته لاختها الصغيرة حتى انه كان يهديهما في كل مرة حلويات و شوكولاتة وبسكويتا بدون مقابل وحين تكون "س" بمفردها ،كان يسألها عن اختها ويعطيها حلويات كهدية يرسلها لاختها المحبوبة.

هناك 3 تعليقات:

  1. إنها مثل سابقتها تستحق القرائة ويوجد بها حكم وعبر مفيدة
    أما بالنسبة للإعدادة فإني كنت أحب جميع الحصص غير الفرنسية كانت الأستاذة قد أشبعتني كتابة ما يسمى عقوبة 100 إلى 500 أو أكثر لكن أشكرها لأنه بفضلها تحسن خطي ^_^ لكن بقيت "معقدا" من الفرنسية لا أجيد إلى بعض الكلمات
    أنتضر الحلقات الأخرى

    ردحذف
  2. نسيت شيءا :) قالب المدونة إنه أخر غير الذي كنت سأصاب بعمى الألوان :D
    أعجبني إنه رائع لكي تبقى إنها وجهة نضري O_o

    ردحذف
  3. بارك الله فيك اخي محمد ! يسعدني كون كلماتي راقت لك وهذا من فضل ربي :)
    يوما ما ستكتشف ان الفرنسية اسهل مما تتصور فلا داعي لخلق العقد :)) برأيي اللغة العربية اكثر تعقيدا من حيث القواعد وبالتالي اصعب في التعلم وذلك طبعا لانها لغة متكاملة وحقا رائعة .
    اما قالب المدونة ، جيد انه اعجبك لكن لا اضمن لك بقاءه لاني احب التغيير من وقت لآخر.

    ردحذف