الاثنين، 16 يناير 2012

رمضان في رحاب الحرمين الشريفين #7


في رحاب ام القرى




في مساء تلك الجمعة المباركة، وصلنا اخيرا الى مكة الحبيبة 
كان النعاس قد غشى أعين المعتمرين معنا داخل الحافلة، وقد غطى السماء سواد ليل معتم وانسدلت داخل الحافلة روائح بنزين قاهرة انبعثت من نافذة السائق التي يفتحها من آن لآخر.تشللت حركة السير واصبح الوضع شديد الغرابة؛ قد كنت واختي الصغرى متحمستين لدرجة لا تتصور وكنت ابعث بعينيَّ جاسوستين لأبعد مدى عساني اتفاجئ بنظرة كريمة لبيت الله الحرام، لكن خيبات الامل توالت مرارا حتى تعبت اختلاس النظر بدون جدوى، ثم تلفتت ورائي لاشهد منظر كل افراد اسرتي ينعمون بنومة عميقة هادئة هاجمتها باضطراب كأني احسدهم على تلك الطمأنينة، لكنهم ردوني لحالي وقالوا اهدئي فلازال المشوار طويلا ...فرجعت لحالة الطوارئ الطفولية وانا انظر شمالا ويمينا ، التقط صورا هنا وهناك الى ان ارتفعت اصوات الشباب من وراء الحافلة
بكلمات التلبية الرنانة.
وعلى نفس الطريق ، كان لنا لقاء بعشرات الحافلات المملوءة برجال ونساء يرتدون البياض قاصدين بيت الله الحرام، على شفاههم قرأت كلمات مفادها : "ليبك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
دامت تلك اللحظات على تلك الحال والحماس يغمر الافئدة والابتسامات العريضة تتكاثف على الوجوه حتى انتفض صوت السائق غاضبا يصيح فينا وهو يقول انه لا يجد مكان الفندق المفروض ان يحملنا اليه!
فقد كنا على شارع اجياد المتجه نحو المسجد الحرام حيث الباب الرئيسي الاول "باب الملك فهد بن عبد العزيز" ولكن الحافلات لا تصل الى هناك وخصوصا في ذلك الوقت بالضبط حيث تخرج اعداد هائلة من البشر من المسجد بعد أدائهم صلاة التراويح ! اوقف السائق الحافلة عند شارع جانبي وابتدأ هناك نقاش عربي بامتياز على غرار النقاشات التلفزية التي يحاول تنظيمها الاعلامي المعروف فيصل القاسم (...) ، السائق يصرخ بما عنده والمشرف يحاول تهدئته بما عنده واحد المعتمرين يضيف نكهته "للنقاش" ، كان فعلا حوارا حضاريا جدا ! يعني كل واحد يصرخ ويسأل الآخر ان يهديه الله ثم تأتي الصاعقة الكبرى حين يخرج السائق ليدخن سيجارة ثم يعود ليقول ببساطة :" من فضلكم انزلوا هنا واذهبوا لفندقكم مشيا على الاقدام فانا لا اعرف مكانه والعسكري لن يترك لي المجال لاتقدم اكثر من هذا..." تبادلنا النظرات فيما بيننا والدهشة تعترينا ، لكن احدا منا لم يحرك ساكنا ...بعد برهة عاد المشرف وقد اجرى اتصالا بصديقه ثم عاد السائق وراءه وهو يدمدم كلاما غير مفهوم؛ عاد بنا لشارع اجياد وتوقفنا امام العسكري ؛ نزل المشرف واسمعه كلمتين ثم عاد بابتسامة ورخص لنا العسكري بالمرور لنتقدم قليلا فنقترب من الفندق المتواجد على شارع جانبي مائل للاعلى لايظهر على الواجهة الرئيسية للشارع.
تطوع الشباب ليحملوا الحقائب الثقيلة بدل النساء والمسنين ، رحب بنا شابان صغيران في السن علمنا لاحقا انهما من اهل اليمن، تعرفنا على المكان ، رقم الغرفة ، اسم الفندق ، واشياء اخرى، توضأنا ثم تناولنا وجبة لا محل لها من الاعراب ولو ان المفروض انها وجبة سحور : تفاحة ، تمر ، علبة "شيبس" عصير برتقال، وماتبقى لدينا من الماء ، ثم سأل ابي متحمسا :" جاهزين؟ " لم يكن ينتظر جوابا فقد اضاف بسرعة "انا سأنتظركن عند باب الفندق!" .
الساعة تشير الى الثانية صباحا ، حان اخيرا موعد اللقاء بالكعبة المشرفة ...ذكرني الموقف بشعور المنتظرين داخل المطارات قبل ان يصل قريب من اقربائهم طال غيابه، ولو انه كان اول لقاء فعلي بالكعبة المشرفة ، فقد كانت المقارنة دائما حاضرة بين الواقع ومانراه كل يوم على شاشات التلفاز وعلى صفحات الانترنت، كنت مرتبكة حد الخيال، تلعثمت الكلمات داخل رأسي، وانبهرت عيناي، تسارعت دقات قلبي واستسلمت لدمعة رافقت النظرة وابتسامة من العمق كأنها تقول : ما أرحمك ربي، ما اعظمك ربي ! 
نظرة واحدة الى الكعبة قادرة ان تنسيك كل هم يؤرق لياليك، هيبة المكان قادرة ان تهز وجدانك كلها وترميك بكل عنفوانية الى الارض في سجدة كما لم تسجد قط بحياتها كلها! 
مع اني قد قرأت قبل الرحيل كل الكتب التي تفسر كيفية أداء العمرة واستمعت لعدة دروس حول الموضوع وحفظت بعض الادعية عن ظهر القلب الا اني وسط زحمة المشاعر ودهشة الموقف ، لم أتمالك نفسي ونسيت تقريبا كل ما حضرت نفسي له ، واكتفيت بتتبع كل خطوات والدي الذي قادنا بوصاياه ونصائحه عند كل نقطة ، وكانت بداية المشوار عند الطواف ، وسط اعداد كثيفة من البشر ، انطلقنا من أمام الحجر الأسود نكبر الله على ما هدانا ، نحمده ، نستغفره ، نسبحه ، نمجده وندعوه ان ينظر الينا بعين الرحمة ويتقبل منا الصيام والقيام وسائر الطاعات، ثم توجهنا لخارج دوامة الطواف الساحرة الى ان ادركنا بقعة صغيرة مقابلة لمقام سيدنا ابراهيم حيث أدينا ركعتين صافيتين حلوتين ، انطلقنا بعد ذلك نحو الحنفيات لنخوض معركة لطيفة في سبيل ماء زمزم، استسقينا من هنا وهناك ، والدي يحضر لنا كؤوسا (بلاستيكية) من الماء يملؤها بنفسه وفيو الوقت نفسه كان بعض الاخوة جزاهم الله كل خير يسقون كل من شاهدوه وراءهم من النساء والاطفال وكبار السن ومنهم وصلتنا كؤوب كثيرة ولله الحمد . بعد تلك الخطوة المباركة عند ماء زمزم ، توجهنا نحو اشواط السعي بين الصفا والمروة
وجواربي كانت مبللة بالكامل ، لكني تفاجئت انها جفت تماما بعد اول شوط ! كان الرجال يهرولون في المنطقة المحدودة بين الضوئين ذي اللون الاخضر ، تاركين وراءهم نساءهم الا من عن جهل هرولت ايضا مع زوجها ،بل هناك ايضا من الرجال من يهرول خلال الاشواط كلها كاملة كأنه في سباق أولمبي ، بينما يكاد بعض الشيوخ يزحف على اربع من شدة التعب وضعف القوة وللاطفال حضور جميل بالمكان على ظهور آبائهم او بين أمه وأبيه يمشي سعيدا وبراءته تسحر المكان...
هناك تشعر بالحب والاطمئنان والسعادة تشهق مع كل ذرة هواء تدخل وتخرج من صدرك ، تكاد تصيح : " يا الله ، انا لن اعصيك بعد اليوم ابدا...! " 
هكذا وعلى خطى هاجر مشينا سبع مرات من الصفا الى المروة الى ان بدأ العياء ينقضُّ على اجسادنا في آخر شوط ؛ ثم افترقنا للصلاة؛ فضَّل والدي ان يصلي في سطح المسجد الحرام ، حيث لا يصلي النساء (رمضان) ، وبقينا نحن في الاسفل ننتظر موعد آذان صلاة الفجر وقد صارت أعيننا يغشاها النعاس واجسادنا تحاول الاسترخاء والتثاؤب لا ينقطع ، كانت دون شك الصلاة التي انتظرتها بقدر من الشوق لا مثيل له ...لما حان موعدها اخيرا ، اعتقدت من شدة تعبي اني كنت اتخيل سماع صوت الآذان ، وبحمد الله بعد جهاد نفس دام اكثر من ساعة، أدينا صلاة الفجر وخرجنا من المسجد ننتظر والدي ان يلحق بنا بعد ان يحلق شعره ختاما لمناسك العمرة.

هناك تعليقان (2):

  1. الله يكتب لتنا زيارة الحرم الشريف

    ردحذف
  2. ثقافة الهزيمة ..عصابة البقرة الضاحكة 6‏

    و فى حوار مع القيادى الأخوانى إبراهيم صلاح المقيم فى سويسرا منذ عام 1957 و نشرته جريدة المصرى اليوم فى 23 إبريل 2011 جاء فيه:
    وما صحة ما نشرته بعض المواقع من أخبار عن رفض سويسرا عرضاً مصرياً لشراء بنادق قناصة وقت الثورة؟
    - حدث بالفعل وحكاها لى أحد رجال المخابرات السويسريين فى حضور عدد من الشخصيات العامة، وقال أنه بعد أندلاع الثورة بيومين تقدم السفير المصرى فى سويسرا مجدى شعراوى، وهو صديق مقرب من «مبارك»، بطلب للحكومة السويسرية لشراء عدة آلاف من بنادق القناصة سويسرية الصنع بها تليسكوب يقرب لمسافة 1000 - 1500 متر، وجهاز يحدد المنطقة المطلوب أصابتها، وجهاز رؤية ليلية ويتم التصويب بدقة الليزر، وذخيرة مخصوصة وهى لا تُحمل باليد، ولكن لابد من تثبيتها على قاعدة ويُقدر سعر البندقية الواحدة بنحو 4000 دولار،ولكن الحكومة السويسرية رفضت الطلب.

    الحكومة السويسرية أدركت كيف سيتم أستخدام تلك البنادق، وبالتالى رفضت أن يكون لها أى دور فى تلك العملية… لقراءة باقى المقال بالرابط التالى

    www.ouregypt.us


    لماذا لم يتم للأن أعدام فرد واحد بتهمة قتل ثوار 25 يناير برغم مرور عام على الثورة؟!

    ردحذف