الثلاثاء، 4 مايو 2010

الحلقة الاولى : العهد القديم




تستيقظ "س" ككل يوم بتثاقل شديد تلبية لنداء امها التي لا تزال تنادي. تقوم والنعاس لايزال يغشى عينيها ، تتوضئ بسرعة لتلحق بباقي افراد اسرتها الذين ملوا الانتظار ...تظهر امامهم اخيرا ، فتقبل رأس ابيها ويد امها المتضايقة من كسلها الشديد، ثم تصلي ركعتي الفجر وبعد ذلك تستقيم هي وباقي افراد اسرتها لصلاة الجماعة . بعد النهاية من اداء فريضة الصلاة تسول لها نفسها غالبا أن تتسرب من الغرفة بخفة ، كاللص الهارب من العدالة لتعود بأقصى سرعة لسريرها الناعم فتكمل حلما بدأته اثناء نومها العميق ، احيانا تتمكن من الوصول لغايتها واحيانا اخرى لا تسير الامور على مبتغاها ، فابوها الفاضل يحب كثيرا ان يسألها هي واخوتها عن بعض الامور ...كان يسألهم عن السور التي يحفظونها ، والادعية التي يعرفونها والسنن المتعلقة بالصلاة ولا سيما صلاة الفجر وكان ايضا يحاول امتحان معلوماتهم في هذا المجال بطريقة تجعلهم يتسابقون في ذلك لينالوا رضاه.
"س" لم تكن تدرك روعة هذه الجلسات الأسرية ، في مثل هذا الوقت بالذات ( اي ما بعد صلاة الفجر) ،فقد كانت حينها مجرد طفلة او كما يقولون مراهقة في عقدها الرابع عشر ، تستهويها افكار وعوالم اخر
ى( ستكتشف فيما بعد انها لم تكن سوى تفاهات لا تستحق الاهتمام). "س" كانت كغيرها من الفتيات تتفرج في الافلام المكسيكية وتستمع للأغاني الشرقية والغربية ، كيفما كانت. لم يكن لديها ميول لنوع او فنان معين ، كانت فقط تفعل ما يفعله الجميع و خصوصا البنات اللواتي في نفس عمرها. ولكن "س" كانت شيئا ما مختلفة عن الجميع ، فلها شخصية متفردة بغموضها وهدوء انفعالاتها وسكون معاملاتها. "س" مثل لوحة فنية ساكنة ، تراها فتحرك فيك مشاعرا واحاسيس قوية ، تدرك من خلالها حيوية كيانها و نشاطا وطاقة يشعان من داخلها ، لكنك لا تستطيع التواصل معها وهذا هو المشكل الكبير الذي كان دائما يقف امامها ، فيحجب عنها صورة الافق البعيد ، ذلك الافق الذي يتخيله كل انسان يملك القدرة على السفر بافكاره عبر الزمن. "س" رغم ذلك متفوقة في دراستها ، عازمة على تحقيق ذاتها كيفما كان الافق ، واسرتها خير سند لها للوصول الى مرادها.
تعيش "س" في مدينة جميلة احتضنتها منذ اول ايامها ، تدعى "اكادير" وتقع في جنوب المغرب وهي مدينة سياحية بامتياز لكونها تطل على المحيط الاطلسي وتقع على ابواب الصحراء الكبرى وتمتاز ايضا بجو معتدل طيلة ايام السنة (تقريبا).
و"س" كباقي سكان المدينة الأصليين تتقن اللغة الامازيغية التي هي اداة التواصل الاولى التي تعلمتها ، اما اللغة العربية فقد تعلمتها فقط عند دخولها للمدرسة كما اتقنت ايضا اللغة الفرنسية .
كانت تقطن بحي جميل وهادئ ، لا هو فوضاوي كبعض الأحياء الشعبية القديمة التي تحيط بها غالبا دور الصفيح ، ولا هو كثير الهدوء مثل الاحياء السكنية الراقية، انما هو حي صغير شوارعه واسعة ومنازله البيضاء متشابهة شيئا ما من حيث شكلها الخارجي، فكلها تقريبا تتكون من ثلاث طوابق على الاقل او اربع على الاكثر: الطابق السفلي عادة عبارة عن حانوت يتم كرائه للبقال او تجعل منه مقهى او محلبة او شيء من هذا القبيل، و من الممكن ان يستغل فقط كمرآب توضع فيه السيارة العائلية واشياء اخرى. اما الطابق الثاني(والثالث احيانا) فهو المسكن الحقيقي للاسرة فيما يكون الطابق العلوي والاخير هو النافذة المطلة على السماء ، فهو طابق معرى بالكامل تستغله النسوة لنشر الغسيل والثرثرة احيانا كثيرة. "س" كانت تساعد امها ككل بنات الحي في نشر الغسيل لكن كان يزعجها القيام بذلك في بعض الاوقات لعلمها بوجود اعين كثيرة تتجسس عليها من بعيد او من قريب ، ومع ذلك كانت تطيع دائما حتى تعودت على الامر واصبحت بدورها تطل على الاسطح المجاورة وعلى الشار
ع خصوصا وذلك بشكل روتيني ، احيانا كانت تلتقي هنالك بصديقتها في المدرسة والتي تسكن في الجهة الخلفية لمنزلها ، فتدردشان بعضا من الوقت الى ان تقاطع ام احداهما الدردشة اللامنتهية !
الاسطح في ذلك الحي ليست مستودعا لكل ما هو غير نافع ،بل هي مكان له اهمية كبيرة في المنازل ويتم تنظيفها على الاقل مرة في الشهر ،كما ان بعض الاسر تستغلها لذبح الاضحية في العيد او لاستقبال الضيوف بمناسبة حفلات الزفاف او ايضا كمكان لتربية الدواجن او الارانب . تتذكر
"س" انه قيل لها ذات مرة انه في زمن مضى كان الناس كلهم يزينون الاسطح لمدة اسبوع كامل بالاعلام الوطنية والاضواء الملونة والشعارات الوطنية ، احتفاء بعيد العرش الذي هو مناسبة وطنية توافق ذكرى يوم اعتلاء الملك عرش الحكم.ابتسمت وقالت :" زمن ولى ولن يعود، فالاسطح اليوم مزينة بنوع آخر من الشعارات : "طباسيل" بيضاء دائرية الشكل وكلها مستديرة نحو اتجاه واحد ..."

هناك 4 تعليقات:

  1. "س" مثل لوحة فنية ساكنة !!! استوقفتني هذه العبارة كثييييرا، و كأنك سرتقتها مني!
    يتبع إن شاء الله :)

    ردحذف
  2. بدأت القرائة وحسبت أنها ستكون مملة مثل بعضيها لكن لم أمل قرائتها جيد إستمري
    أما بالنسبة ل "طباسيل" هناك فكرة جعلها بلون الأحمر ونجمة خضراء مثل العلم الوطني ^_^ يا سلام على العبقرية

    ردحذف
  3. أني الذي كتبت التعليق الثاني فوجدت قد كتب تعليق في الأعلى لست صاحبه لذالك سأغير الإسم من مجهول -->محمد--> لاأعرف إنه إسمي

    ردحذف
  4. شكرا على المرور المحمدي الجميل :)
    لم افهم جيدا ان كان هناك محمد واحد ام اثنين لكن على كل حال : بارك الله في الجميع
    تحياتي

    ردحذف