الاثنين، 21 مارس 2011

ما لا تعرفونه عن... ازدواجية الهوية

من تناقضات العالم الذي نعيش فيه اننا نحاول ان ننظم كل شيء حولنا بإعطائه اسماء واشكالا والوانا نختارها بشكل تقريبا عشوائي ثم بعد ذلك كي لا نتهم بالتناقض نخلق الشرح المفصل الذي نسميه بالعلمي او التاريخي حتى نبرهن اننا حتى في اختياراتنا فكرنا بشكل معمق ولم نتخذ اي قرار في حياتنا بشكل عشوائي !

العشوائية ليس لها مكان في حياتنا فانت حين تحب اللون الاحمر فذلك لانك ذو شخصية رومانسية دون شك ! لا تناقش في ذلك ، فلا يمكن الا ان تكون ما يعتقده الناس ان تكون .
المشكل ان العالم وتحولاته السريعة قسمنا الى مجموعات من البشر ، داخل جدران اوطان اعطاها اسماء يقال انها تعني كذا وكذا حسب الاحداث التاريخية التي وقعت عام كذا والتي لم يبقى على الارض شاهد على حقيقتها ، اضافة الى ذلك احدثنا رموزا واشكالا اعطيناها الوانا وسميناها :"العلم الوطني" واخترنا قصيدة كتبها شاعر كان يحب ارضا ما واتخذناها نشيدا وطنيا ننشده كلما اقتضى الامر ذلك. فخلقنا بذلك اعظم التناقضات ، حين سمينا من يحب تلك الرموز والالوان "وطنييــــــــــــــن" ، والسؤال : لماذا؟ اين التناقض في ذلك؟
التناقض هنا هو بالذات الشعور الذي سيخبرك عنه من لا وطن له او من قيل له ان لك وطنين!
طبعا ليس كل الناس يعرفون هذا الشعور ، لذلك احببت ان اجرب ان اعطي وجهة نظري حول الموضوع : ان الوطنية لا تقاس برموز ولا الوان ولا حتى وجوه مصورة نعلقها على الجدران ، وان الوثائق الثبوتية التي يقال انها تثبت هوياتنا لا ثتبت في شيء انتماءنا الى وطن او الى آخر ، وما اصعب ان تكون ملايين من البشر تنتمي الى فكرة وطن بنفس الطريقة ونفس الانطباع ، اتذكر جيدا سؤالا طرح علي مليون مرة في اول ايام هجرتي
من وطني الاول" : "اي البلدين افضل لديك فرنسا ام المغرب ؟ "
كيف اجيب على مثل هذا السؤال انا التي درست طيلة سنوات مادة تسمى "التربية الوطنية" ، ثم اكتشفت بعدها النسخة الفرنسية من نفس المادة ؟ ماذا عساني اجيب وانا التي املك الاوراق الثبوتية لكلا الموطنين ؟ ماذا عساني اقول وانا اعيش تناقضا لم يدرسوني كيف اتعامل معه داخل موسوعاتهم المدرسية ؟ اليسوا هم من اخترعوا "الوطنية"؟  فلماذا اخترعوا ايضا قوانين تسمح بازدواجية الهوية ؟ ام ان ذلك يخدم مصالح اخرى انا في غنى عن معرفتها ؟ ولماذا لا يخترعون شيئا نسميه "ازدواجية الوطنية" ؟
هي كلها اسئلة اطرحها وستبقى مطروحة...
 
و رجوعا الى ذلك السؤال الذي تحدثت عنه سابقا ، فبصراحة اجابتي كانت  دائما على وزن السؤال وسائله : فقد كنت اتحاشى تفضيل بعض جوانب الحياة في فرنسا مقارنة مع المغرب امام بعض من يكره فرنسا اشد مما يحب المغرب وبنفس الشكل امتدحها امام من يحب سماع ذلك ، ربما في ذلك كم كبير من النفاق ، ولكن افضل ان لا اصارح بعضا من اقاربي عن افكاري الخاصة في هذا المجال خوفا من خسارتهم على حساب كبرياء افكاري التي قد لا تكون صحيحة بالكامل فانا دائما اقول ان كل معتقداتنا الفكرية قابلة للشك.

 
لكن داخل اطار آخر ، يُتقبل فيه كل رأي ، ويعتمد فيه النقاش كوسيلة للتفاهم ، فانا لا اخشى ان استعرض رأيي بل بالعكس احسست اني اكثر من اي وقت مضى يجب ان اتطرق لهذا الموضوع فقد ادركت اني في خلاف (فكري) تام مع بعض ابناء جلدتي ، وكثيرا ما يعتقد البعض ان من قبل ازدواجية الهوية فقد قبل الانسلاخ عن هويته الاصلية كونه غير راض عنها ! ايعقل ذلك ؟ بصراحة ان وجد في الارض من ينسلخ عن اصوله فليس انا ولن يكون ابدا انا! ولو طلب مني ان اشرح سبب قبول ازدواجية هويتي فسيكون جوابي مشابها لجواب عرب فلسطين الذين يملكون اوراقا ثبوتية اسرائيلية ليس لانهم ينتمون لاسرائيل بل لاسباب اخرى نعلمها جميعا ، وقد يسأل احدهم عن سبب هجرتي اصلا عن موطني الاصلي ، فهل استعرض لكل واحد اسبابي الشخصية ام ماذا ؟
 
في خضم الاحداث الحالية داخل الدول العربية ، احست اختي الصغرى بانتمائي واهتمامي الذي اتضح من خلال تصرفاتي وقراء اتي وحتى نقاشاتي داخل البيت ، حتى انه يخيل اليهم احيانا اني انتميت الى حزب سياسي دون علمهم !
سألتني اخيتي تقريبا نفس السؤال ، اليوم وبعد سنوات من المقام هنا بارض المهجر، هل انتمي اكثر لموطن ولادتي المغرب ام الى موطن هجرتي فرنسا ؟

في الحقيقة الجواب قد تغير بشكل كبير جدا ، كأنه نضج مع مرور الزمن ...قلت لها ببساطة انا كشخص لو حاولت ان اعرف بنفسي فاول شيء سيكون لي عنه الحديث هو هويتي كمسلمة وانطلاقا من ذلك فانا لا يمكن ان انتمي الى اي نظام بشري قومي لا يعترف بهذه الهوية ! وبالتالي فما يربطني بفرنسا العلمانية لا علاقة له بهذا العامل مما يحد من انتمائي لها. من جهة  اخرى فمن المعروف ان الوطنية لا تنتهي عند الدين ، وهناك عامل اسميه العامل العاطفي الذي يربط الانسان باي شيء تعودت عليه نفسه ، وبحكمه فاني لا اكاد افرق بين تعلقي بموطن ولادتي حيث امتلك كل شيء احبه وبين موطن اقامتي حيث تعرفت على اشياء واشخاص احبهم بصدق .
و في سياق آخر احببت ان اشير الى ان  الوطنية ليست العصبية ، وبالتالي فان تحب وطنك مثلا لا يعني ان تكره الاوطان الاخرى ، ثم ان طريقة حبك لوطنك يلزمها ان تكون فعلا رائعة تمثل فعلا حبا شديدا لا تنفر من يسمع به ولا تهين الاوطان الاخرى ! لماذا تقول ان وطنك اجمل بلد في العالم وانت تعلم يقينا ان هناك من الانفس من لو سمعت ذلك سترد عليك بما يحقر وطنك اعتقادا منها انك تتحدى العالم ! الحب شيء جميل رقيق يحبه الناس جميعا بدون استثناء فاعلم انك حين تنفر الناس من حبك فانما هو ليس حبا او انك لم تنجح في اعطائه صورة الحب الذي يحترمه ويقدره كل الناس.

وبعيدا عن ذلك فاني قد صادفت مؤخرا احد الفيديوهات التي يظهر فيها احد المشايخ الكبار الذين احتمرهم واقدرهم جدا والذي كان يتكلم عن تحريم السفر "لبلاد الكفر" للاقامة حيث استدل بهذا الحديث ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) . رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
مع كل احترامي للشيخ الفاضل ، فاني لا اوافقه الرأي في هذه الفتوى وقد بحتث عن الرأي الآخر او لنقل فتوى اوضح تفسر الحديث وتبين حالات تطبيقه ، ولاني اعتقد ان هناك فئة من الناس قد تستعمل مثلا هذا الاستدلال لتعتبرني مثلا انا وكل مسلم مقيم بالديار الاوروبية والامريكية كخارجين عن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فرأيت ان من المهم جدا ان ارد على هذا الرأي ايضا واليكم الفيديو اولا :  
الصحيح ان  الأدلة قد دلت على تحريم المقام بين ظهراني المشركين ، ووجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لمن لم يستطع إظهار دينه، وقدر على الهجرة والمقصود بإظهار الدين هو إعلان التوحيد ، والبراءة من الشرك ، وإقامة الشعائر دون خوف.وكما هو معلوم فعدد المسلمين في فرنسا مثلا ليس بالقليل ! والمسلمون هنا مع كل الاضطهاد النفسي الذي يتعرضون له فهم يستطيعون اقامة شعائرهم بدون خوف .عدا ذلك فان مسلمي الغرب كما هو معروف ايضا كادوا يصبحون اشد تعلقا بالاسلام من مسلمي "بلاد المسلمين" واخيرا فاعتقد انه علاوة على إظهار الدين هناك مصلحة دينية تتمثل في الدعوة إلى التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والله اعلم.
وفي النهاية ماذا بقي؟
بقيت مقولة شاعر الأمراء أحمد شوقي:

وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق

هناك 5 تعليقات:

  1. شكرا لكي ،إستمرى :)

    ردحذف
  2. مقال جميل، صراحة أعجبني، إضافة إلى محاولتك لفك رموز معنى "الوطنية" لامست في حديثك هذا بعض الشجن

    ردحذف
  3. اهلا بك اخ سعيد ، مرحبا بك :)
    الشجن هو تماما... أصح ما يمكن ان يقال ! التغيرات التي حلت في العالم العربي حملت معها تساؤلات كثيرة وردات فعل متباينة جدا ....متاهة آراء لم اتعرف فيها على الوجه الحقيقي للوطنية ، خصوصا عند ابناء جلدتي : المغاربة !
    كانت محاولة مني لوضع النقاط على الحروف .

    ردحذف
  4. عطفا على كلامك، لا أدري لماذا كلما ردد الساسة مصطلح "الوطنية" أتذكر مقولة أوسكار وايلد: الوطنية فضيلة الفاسدين هههه

    ردحذف